إن المتابع لمجريات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط يلاحظ بدون إجهاد اختلال التوازن في مواقف الدول العربية فضلا عن أدوارها بين مشرقها و مغربها في وقائع و أزمات كانت هي نفسها مسرحها و الشاهد عليها في آن واحد، فمنذ عام 2011حيث تفجرت الثورة التونسية و تلتها ثورات في الجوار الليبي و المصري و حتى اليمن و سوريا دخلت بعدها المنطقة العربية في أحداث دراماتيكية أفضت بها إلى حروب داخلية و تهديدات أمنية تغيرت على إثرها المسارات أو غُيرت، لتبقى أزمات المنطقة و على رأسها الأزمة السورية محل الجدل و التطور و التعاطي ايجابا و سلبا من الدول المجاورة العربية أو الغربية أو غيرهما، فالحرب السورية المفتوحة تختلف عن الأزمة الليبية أو الأحداث اليمنية لتشعب الأدوار و اللاعبين فيها أولا و امتدادها الزمني دون حدوث تغير شامل في محطات الصراع ثانيا و ثالثا لتأثيرها على الخارج السوري أمنيا و اجتماعيا و جيوسياسيا، و بناء على مبدأ التأثر و التأثير، فقد أثرت دول الجوار السوري كثيرا في مجريات الأحداث الداخلية في الأزمة السورية كما أثرت الأخيرة ابتداء فيها، فالمخاوف من الأخطار الأمنية و انتقال العناصر المتطرفة الى خارج سوريا دفع هذه الدول للمساهمة في الحملة الدولية لمحاربة التنظيمات الارهابية داخل الأراضي السورية مثلا، و الحساسية التركية من ملف الأكراد و هاجس الانفصال دفع تركيا الى الخوض في غمار هذا الملف الشائك الى درجة القيام بعمليات عسكرية داخل الأراضي السورية و التي كانت اخرها عملية “غصن الزيتون” سبقتها ما سمي “درع الفرات” و كلتاهما تستهدفان النفوذ الجيوسياسي الكردي سوريًا، و قبل هذا و ذاك كان التأثير الطائفي بتدخل ايران عبر ميليشياتها الطائفية و على رأسها حزب الله اللبناني المجاور دعما للنظام العلوي و حفاظا على مصالح قيل أنها أمنية لكنها لا تعدو كونها طائفية توسعية، ليكون التدخل السعودي مشفوعا بالدور العربي الخليجي في المقابل راميا الى الحؤول دون استحواذ النفوذ الايراني بسوريا العربية و احترازا من تفجر الوضع الأمني ما يرمي بظلاله على الجوار العربي و سعيا لايقاف النزيف السوري الذي جعل من الشعب السوري المشرد و المقتل ضحية لأفضع الحروب المدمرة منذ الحرب العالمية الثانية دون أن ننسى أسبابا امنية و انسانية أثرت على الداخل الأردني او اللبناني المجاور، لكن، و على ما يبدو فإن أسبابا مختلفة جعلت المسافة الروسية السورية أو الايرانية السورية أقصر من المسافة ما بين الدول المغاربية و الجغرافيا السورية، و على اعتبار أن المسافة الجغرافية تندثر مع ازدحام المصالح السياسية و الاقتصادية فإن الدافع الروسي و الايراني أقوى بكثير من الدافع المغاربي، ان وجد، للتدخل في الملف السوري أو الادلاء بدلوه في ازمة تكاد دول العالم قاطبة أن تخوض فيها للأسف، و رغم ذلك اختلفت المواقف حتى بين الدول المغاربية، فليبيا مثلا لا تثريب عليها و هي التي تتلمس طريقها للخروج من وضع متفجر و انقسام سياسي حاد و انفلات أمني غيّب أي حكومة توافقية توصل البلاد الى بر الأمان، و تونس فرغم استقرارها السياسي و نجاحها الأمني بعد تجربتها التوافقية عقب الثورة فإن سياستها الخارجية تلتزم غالبا الحياد الدبلوماسي و دون أن تعيد التواصل مع النظام منذ ان انقطع او ان تشق عصا الاجماع العربي في قرارات ذات صلة.. ان وجدت! لتبقى الدبلوماسية الجزائرية حاملة لشيء من الاختلاف عن سابقاتها و خلافا للموقف المغربي الذي لم يخرج و على عادته من الاهتمام بالجانب الانساني و دعم جهود خفض التصعيد على غرار الموقف من الأزمة الليبية، فتصريح وزير الخارجية الجزائري مثلا عن ان الوضع في حلب هو استعادة سيادة الدولة عليها ضد الارهابيين يعتبر التصريح الأبرز المبلور لموقف الجزائر من الأحداث في سوريا، و زيارة وزير الخارجية في نظام الأسد وليد المعلم الى الجزائر سنة 2016 كانت هي الأخرى علامة على التوافق أو تقاطع المصالح بين الحكومة الجزائرية و بقاء نظام الأسد على رأس الحكم في سوريا، و على كل حال فقد ارتسمت صورة من الارتياح لدى النظام الجزائري عن بقاء نظام الأسد في السلطة أو عدم تراجعه على أقل تقدير و له في ذلك خلفياته و مرتكزاته، فالنظامان متقاربان كونهما محسوبان على الأنظمة القومية و الاشتراكية في مرحلة ما و هما متوافقان في مسائل أقرب للجزائر مثل قضية الصحراء الغربية و من ناحية أخرى فحليفهما واحد حيث أن روسيا مصدر للسلاح بالنسبة للجزائر و تربطها بها علاقات متينة و لعل دخول روسيا المباشر في الأزمة السورية جعل انحياز الجزائر للصف المعارض للأسد أمرا بعيدا بل ربما تتبنى رواية النظام السوري بأن المعركة مع فصائل ارهابية رغم التعاطف المجتمعي و الاعلامي مع الضحايا المدنيين في سوريا من القتلى و المشردين و اللاجئين، و دون أن ننسى أن الجزائر و لمرحلة ما كانت تنظر بإرتياب للأحداث في دول الجوار كتونس و ليبيا و وصولا الى مصر و اليمن و حتى سوريا و تختلف مع رؤيتها كثورات شعبية معتبرة أنها تهديدات أمنية و مؤامرات على الدول العربية، و إذ نتجاوز كل ما سبق، فإن الغياب المغاربي الفعال و المؤثر عن قضايا الشرق الأوسط يرجع أساسا الى تحول في مركز الثقل العربي جعل من الدول العربية المشرقية (دول الخليج) المؤثرين أو الحاضرين الى حد ما في القضايا العربية دبلوماسيا عبر تحريك الجامعة العربية و منظمة التعاون الاسلامي أو اعلاميا من خلال منابرها الاعلامية المعتبرة أو حتى سياسيا من خلال علاقاتها و تحالفاتها الاستراتيجية و ثقلها الاقليمي و العالمي الى جانب تراجع الدور المصري عما كان عليه سابقا ما أثر على الحضور المغاربي عموما في أزمات المنطقة، و عموما فإن أسبابا أمنية و سياسية خارجية و أوضاعا داخلية و حسابات من المصالح و التحالفات التي تقرؤها دول المغرب العربي دفعتها الى الانكفاء عن التدخل في أزمات و ملفات المنطقة و ان كانت معنية بها كونها شأنا عربيا، ليكون التشرذم المغاربي و ما يحمله من خلافات جزائرية ما حال بلا شك دون تفعيل منظومة الاتحاد المغاربي و دونها لا أمل في اجماع سياسي لهذه الدول حول قضاياها الاقليمية فضلا عن قضايا الشرق الأوسط . ————————————————————– كل الوطن عبد الفتاح بن عطية
مشاركة :