لا تزال العمليات العسكرية للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية و الذي حملت اسم عاصفة الحزم تجري على الأراضي اليمنية مغلقة عامها الثالث و مقبلة على الرابع، لتفتح الأبواب على تساؤلات و تحليلات حول مآلات هذه العملية العسكرية نتيجةً و مدة، و لتخوض فيها المواقف و الآراء حول ايجابياتها و سلبياتها و نتائجها على اليمن و على السعودية قائدة التحالف و المسؤولة عنه، لا شك أن الزخم العسكري و السياسي لعاصفة الحزم تراجع مؤخرا لأسباب انسانية و أممية و أخرى زمنية و عسكرية جعلت استغراق العملية العسكرية لهذا الزمن الطويل نسبيا عاملا سلبيا يكافح سير العملية و يعود عليها بالملامة من القريب و البعيد، لكن ذلك لم ينف أنها كانت أول انطلاقها، و لا زالت، عاصفة بما للكلمة من معنى، فهي الرد العملي الأكثر حزما و قوة ضد المشروع الايراني في المنطقة العربية و هي ايضا تحوّل في سياق التشظي العربي و الانهيار الأمني لدول يرتبط أمنها بأمن المنظومة الخليجية و العربية جمعاء، و دون أن نتوسع في سير العمليات العسكرية لعاصفة الحزم و ما لذلك الجانب من بسط للتطورات العسكرية الاستراتيجية فإنها حققت أهدافا و لا زالت تعمل على أخرى ضمن ما رسمته ابتداءً و أعلنته من أهداف سيعمل التحالف على تحقيقها داخليا و على رأسها انهاء السيطرة الحوثية على العاصمة صنعاء و اعادة سلطة الدولة اليمنية ممثلة في حكومتها الشرعية و رئيسها عليها و على باقي المحافظات اليمنية مرفوقا بنزع السلاح الخارج عن سيطرة الدولة و الذي لن يكون للسلطة الشرعية ثبات أو نجاح دون نزعه من الميليشيات المارقة، أما خارجيا فلا تفاوض دون تحييد الخطر الحوثي على الجوار العربي و أولها الأراضي السعودية التي لا تزال تتعرض لخطر الصواريخ الباليستية الايرانية المهربة الى الميليشيات الحوثية و آخرها و أعنفها الصواريخ الأخيرة التي أطلقت على العاصمة السعودية الرياض في الذكرى الثالثة لعاصفة الحزم العربية، و هو ما وقف عليه المجتمع الدولي و تضامنت لأجله دول مختلفة مع المملكة العربية السعودية و دعما لها في الرد على ما يهدد أمنها، و بناء على ذلك، ذهب البعض الى القول بفشل التحالف في مسعاه يمنيا حيث ان الخطر الحوثي على الأراضي السعودية لم ينجلي و الصواريخ الحوثية لا تزال تطلق عليها للعام الثالث ناهيك عن تأخر تحرير العاصمة اليمنية صنعاء من أيدي الحوثيين، أما أهم ما يبني عليه هذا الطرف موقفه فهو الوضع الانساني المتردي لليمنيين جراء آثار الحرب التي لا تتعدى قوما نزلت بساحتهم و لا تراوح مكانها ما بقيت الحرب في بلاد طالت بها أم قصرت، لكن من الواجب التأكيد على أمرين مهمين هاهنا، أولاهما أن الوضع الانساني تسببت فيه و بالدرجة الأولى الميليشيات الحوثية بجعلها من المدنيين دروعا بشرية و بحؤولها دون وصول المساعدات الانسانية لمستحقيها بل بسرقتها و أشد منه سرقة الأموال اليمنية من البنك المركزي ما أطاح بالعملة اليمنية و ساهم في التضخم، و رغم ذلك فالتحالف ساهم بنصيب الأسد من المساعدات الانسانية و سعى الى التخفيف من الوضع الانساني القاسي عن طريق المساعدات الاغاثية و الودائع المالية، ثانيهما أن العمليات العسكرية لم تنتهِ و أي حديث عن نجاح أو فشل التحالف في مهمته سابق لأوانه، فضلا عن أن اخماد التحالف للدفاعات الجوية الحوثية و هي دفاعات الجيش اليمني السابق اصلا يعني السيطرة الجوية الى جانب السيطرة ما سيساهم و لو بعد حين في السيطرة البرية التي خطت خطوات هامة نحو اتمام تحرير صنعاء الذي يبقى الهدف الأسمى للعملية العسكرية برمتها، إن الأهم من كل هذا هو التالي، لم يكن للمملكة العربية السعودية من خيار استراتيجي يوم أن أعلنت اطلاقها لعاصفة الحزم ضمن تحالف عربي غير أن تفعل ذلك، و أن أي ثمن سيُدفع اليوم سيكون أخف من الثمن الذي كان ليُدفع ان لم تسيطر المملكة على الوضع الأمني الاقليمي و تحول دون تثبيت الحوثيين لأركان دولتهم في اليمن، هذا أولا، أما ثانيا و من الجانب العسكري فإن التهديد الصاروخي لا يزال قائما الى اليوم و مع قيام هذه العملية العسكرية الشاملة ضد الانقلاب الحوثي في اليمن فكيف كان ليكون التهديد المسلط على السعودية لو سُمح للحوثيين بالسيطرة الكاملة على اليمن و ارتهان قراره السياسي للمشروع الايراني في المنطقة ؟! بل كيف سيكون حجم الصواريخ الباليستية لدى الحوثيين كمّا و نوعا اذا ما فتحت الخطوط الرسمية بين الأراضي اليمنية الخاضعة لسلطتهم و ايران و الحال أن الصواريخ الحالية لا تعدو كونها دعم ايراني محدود عبر التهريب ؟! أما و سياسيا فالخطر السياسي المفترض في حال لم تقدم السعودية على هذه الخطوة و تحرك جيشها ضمن التحالف العربي لردع الانقلاب الحوثي سيشابه الى حد كبير الخطر السياسي القائم في العراق حيث تختلط الميليشيات المارقة بالقوات الحكومية بل تكتسب شرعية زائفة تدمجها معها، و حيث تتحول القيادات الميدانية الى مسؤولين حكوميين كجزء من السلطة و هو ما حرص عليه الحوثيون و بدؤوا تنفيذه عبر تشكيل ما أطلقوا عليه بالمجلس السياسي الأعلى و ما انبثق عنه من حكومة مشكلة من القيادات الحوثية الانقلابية العسكرية، الى جانب ذلك فإن الأنموذج القائم في لبنان عبر حزب الله اللبناني سيستنسخ بحذافره جنوب الجزيرة العربية بحيث سيكون الخطر أشد من خطر الحزب اللبناني ما يجعل الحد الجنوبي خاصرة رخوة لا يزال الخطر قائما بها دون رادع، و هو ما سيكون نتاجه تحقيق الخطر النظري القائم على اطباق حصار جغرافي على السعودية و جيرانها من دول التعاون الخليجي مشكل من الدول المنضوية تحت المشروع الايراني الطائفي و العدائي ضمن ما يعرف بالهلال الشيعي و هو ان تحقق فسيكون الخطر الاستراتيجي الوجودي المهدد للمملكة، فلا غرَب و الحال هذه أن تكون الحسابات الاستراتيجية للعربية السعودية مفضية الى قرار اطلاق عملية عاصفة الحزم، بل لا شك أن خيار المواصلة هو الأرجح و الأقرب في ظل الرفض الحوثي لأي حل سياسي و اصرارهم على اطالة الحرب اليمنية و معاناة الشعب اليمني بالتلازم، و أن حسابات الربح و الخسارة من الناحية المادية و حتى البشرية لا تراعى بدرجة كبيرة اذا ارتبط الامر بضرورة منع قيام اي خطر وجودي متاخم للأراضي السعودية و هو ما يفسر عدم الانزعاج السعودي التكلفة السياسية و المادية التي تتسع مع تأخر الحسم العسكري في اليمن خاصة و أن المملكة العربية السعودية و كما تبينه سياساتها الخارجية تتبنى استراتيجية النفس الطويل ما يعني تفضيل تأخر النتائج مع التكلفة السياسية على استعجالها مرفوقة بخسائر ستكون بلا شك أكبر و أفضع، و من الناحية السياسية خارجيا، فإن السعودية تركز كثيرا على ابراز الخطر المهدد لأمنها جراء الصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون من وقت الى اخر على العاصمة الرياض و حتى على البقاع المقدسة و غيرهما من المدن السعودية، و هو ما يعطيها الحق المضمون في الدفاع عن أمنها بل و يظهر الدور الايراني المناوئ لها مع ما ثبت من تورط ايران في تهريب هذه الصواريخ الى الحوثيين و أبرزه الناطق بإسم التحالف العربي أخيرا، و هو ما يخفف من وطأة الانتقادات الأممية حيث لن تسمح دولة اقليمية في العالم أن يرتكز في حديقتها الخلفية خطر استراتيجي بصواريخ باليستية قد تتطور الى ما أكثر من ذلك، و ليست أزمة الصواريخ الكوبية بين الاتحاد السوفياتي حينها و الولايات المتحدة ببعيدة، الى جانب الدور الدبلوماسي الذي يمكن للسعودية أن تلعبه بصفتها دولة مساهمة في الأمن و السلم الاقليمي و الدولي مقارنة بالدور الاقليمي الايراني المعروف بعدوانيته، و عليه، فإن للسعودية حساباتها في الملف اليمني و للمخاطر المحدقة من الجنوب ما يهون دفعه و الصبر عليه ابتغاء تبديدها و تحييدها، و لها ايضا حسابات استراتيجية ترتبط بشكل أو بآخر بالتنافس العربي الايراني في أكثر من ملف بدأً بالعراق و مرورا بلبنان و سوريا، في منطقة أصبحت مسرحا للحروب بالوكالة و مجالا للصراع الاقليمي و الدولي . ————————————————————————————————- عبد الفتاح بن عطية كل الوطن
مشاركة :