نحن أولى بإفريقيا منهم ! هكذا يجب على صناع القرار في العالم العربي أن يرسموا سياساتهم الخارجية فيما يتعلق بدول الجوار و تحالفاتهم معها سياسة و تعاونا و اقتصادا، فنصف العالم العربي يقع جغرافيا في قارة افريقيا و نصفه الاخر مجاور لها، يحيط بها أهم بحار الأرض و محيطاته و يشقها من أنهار العالم أكبرها، و ضمنها من المضيقات أهمها بدئا بمضيق باب المندب الى مضيق جبل طارق و ما بينهما من قناة السويس شريان الاقتصاد و معبر التجارة بين ضفتي العالم، و لا يهم، فكل ما سبق من مضائق و بحار تبقى في النهاية معابر دولية و أجزاء خاضعة للقانون الدولي في كل الأحوال، لكن ما الذي يفترض به أن يهم العالم العربي النامي و المحتاج في مسيرته الاقتصادية و التنموية الى سوق اقتصادية فتية؟ بل مذا يجب على الدول العربية الخليجية منها و المغاربية أن تضمن من مصالح في افريقيا و هي من الموقع الجغرافي و الاهمية الاستراتيجية كما أسلفنا بمكان؟ فلنسأل اذا الى مذا تطمح القوى الاقليمية و العالمية الصاعدة من انفتاحها و اهتمامها بل من جعلها الملف الافريقي أولوية و مبدأ أساسيا في خططها التنموية و الاستراتيجية لنعرف عندها ما الذي يجب على القوى الاقليمية العربية و حتى الدول المتوسطة أن تفعل لتضمن مصالحها و حظوظها المفترضة من المستقبل الواعد في افريقيا،، فالصين العملاق الآسيوي الصاعد راهنت على القارة الافريقية منذ بروزها على الساحة الدولية و ظهوى ملامح مشروع توسعي صيني حيث أولتها اهتماما بالغا و وسعت مع دولها علاقات التعاون الاقتصادي و جعلتها جزءا من مشروع الطريق و الحزام الاستراتيجي الذي تراه الصين جنتها الموعودة، و بالرغم من المرجعية الاقتصادية للاهتمام الصيني بإفريقيا الا أن السياسة لا تبتعد كثيرا عن منابع الاقتصاد، اذ تعتبر الصين أي نفوذ لها في القارة السمراء ازاحة للدور الامريكي الذي احتكر و الدول الاوروبية الهيمنة و الاستغلال المجحف لثروات و مقدرات و حتى الواقع السياسي للدول الافريقية ما جعل أي حضور صيني في افريقيا متقبلا و مستساغا و هي التي خلا سجلها التاريخي من الماضي الاستعماري البغيض بل أسست لمبدأ المصلحة المشتركة و المنفعة المتكافئة لتقدم على هذا الاساس خدماتها و مشاريعها و استثماراتها في دول متعطشة لأي دور استثماري و تنتفع في المقابل بالموارد و الخامات الافريقية الهامة، و عليه فكل ما بقي فرع على ما تقدم و نتيجة طبيعية له من تمويل للبنى التحتية كمشروع سد النهضة الاثيوبي و مشاريع السكك الحديدية في كينيا ونيجيريا و الطرقات و بعض الصناعات لتنال بذلك نصيب الأسد من قارة يسكنها مليار و مائة مليون نسمة و تقتطع ما نسبته 20٪ من مساحة اليابسة و تحتوي12٪ من احتياطي النفط و 10٪ من احتياطي الغاز بالعالم و بها نصف انتاج الذهب عالميا، هذا و ليست الصين لوحدها من استغلت الفراغ الذي خلفته الدول العربية المحجمة عن التوجه افريقيا للاستثمار و توسيع النفوذ و ما ساهم فيه من تراجع للاهتمام الامريكي بالقارة الافريقية و مشاغلها لحساب ملفات سياسية اخرى تخص الشرق الاوسط، فتركيا هي الاخرى بكّرت من اهتمامها بقارة افريقيا قبل وصول حزب العدالة و التنمية التركي الى السلطة ليزداد بعده و يتنامى، فهي التي تفتتح 39 سفارة افريقية و يعتبر زعيمها رجب طيب أردوغان أكثر زعماء العالم زيارة لدول افريقية حتى انه يؤدي حاليا زيارة للجزائر و سبق ان زار السودان و تشاد و تونس في جولة افريقية لاقت اهتماما اعلاميا كبيرا، دون أن ننسى القمم التركية الافريقية المشتركة و حصول تركيا على صفة مراقب في الاتحاد الافريقي، و لأن بداية الأمر و نهايته اقتصادي في الغالب، فقد تطور حجم التبادل التجاري ما بين تركيا و افريقيا من 5,4 مليار دولار سنة 2003 الى 23,4 مليار دولار سنة 2014، و لا ننسى بالطبع المدخل الثقافي و السياحي الذي عبرت منه تركيا الى الداخل الافريقي حيث تمثل وجهة معتبرة للسياحة و مصدرا ثقافيا و اعلاميا مهمّا خاصة للدول المغاربية و دول الشرق الافريقي، فليت شعري كم يجتاز البعيد من بحار و أرضين حاملا مشاريعه و استثماراته و مؤسسا لنقاط قوة و نفوذ في القارة السمراء في حين تحجم الدول العربية و تغض الطرف عن المستقبل الافريقي الواعد و هي التي لها من العوامل الجغرافية و الاقتصادية و الثقافية ما يخولها لأن تكون الشريك الاقتصادي الأبرز لافريقيا و حليفها السياسي الأقرب و بها نطاق نفوذها و عمقها الاستراتيجي الأكبر، فالدول المغاربية أولى بتسويق صناعاتها الخفيفة افريقيّا و الأقرب للاستثمار في المشاريع الفلاحية و المائية، و هي قادرة بلا شك على تلبية نصيب هام من الاحتياجات الافريقية و على رفع الميزان التجاري بينها و بين دول افريقيا جنوب الصحراء و دول الغرب الافريقي على وجه الخصوص رغم الدور المتواضع الذي تلعبه في منطقة الايكواس (المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا) حيث يبرز المغرب مؤخرا بعد عودته للاتحاد الافريقي و سعيه للحصول على عضوية كاملة في منظمة “الاكواس” و بدرجة اقل الجزائر و تونس، لكن حديثنا هنا يستهدف التأكيد على ضرورة وضع استراتيجية مغاربية متكاملة لخوض غمار المنافسة افريقيا و بصفة أشمل، من ناحية أخرى نرى دورا متواضعا، رغم بروز ملامح توجه أكثر وضوحا مؤخرا، للدول الخليجية على الصعيد الافريقي، و نحن اذ ننوه بالاهتمام السعودي مثلا من ناحية الاتفاقيات الأمنية او التعاون الاقتصادي مع دول كالسودان و جيبوتي و جنوب افريقيا او الاستثمار الاماراتي في دول افريقية فإننا ننشد دورا أكبر مع منظمة الكوميسا (السوق المشتركة لشرق و جنوب افريقيا) و بناء استراتيجية استثمارية موجهةتخدمها قوة خليجية اقليمية في قطاع الطاقة عبر شركات بيتروكيماوية معتبرة و في قطاع الانشاءات حيث للشركات الخليجية قيمة سوقية هامة، بل يمكن التعويل ايضا على الاقتصاد التحويلي و مشاريع الشحن و النقل البحري العالمي حيث يفتقر شرق افريقيا الى بنية تحتية معتبرة تخدم الشحن البحري العالمي و أي استثمار خليجي في هذا المجال سيخدم بلا شك النفوذ العربي الاستراتيجي سياسيا و اقتصاديا في القارة الافريقية، و حتى نتجاوز التنظير البحت، فإننا نطرح فكرة التوجه الاستراتيجي العربي المتكامل نحو القارة السمراء بما يشمل المجال الدبلوماسي و السياسي و المجال الاستثماري الاقتصادي و حتى المجال الثقافي الذي يخدم القوة الناعمة العربية و يبني عمقا استراتيجيا معتبرا في عالم يتنافس فيه الأقوياء على نفوذ ما بعد القطب الواحد . —————————————————————————————– عبد الفتاح بن عطية كل الوطن
مشاركة :