كان أولكسي سوبوليف يعمل مدير صندوق نهارا ويشارك في المظاهرات المؤيدة للديمقراطية ليلا. وبعد عمله، كان يترك مكتبه في شركة دراجون لإدارة الأصول في كييف للانضمام إلى الجماهير المحتشدة في ميدان الاستقلال، مطالبة باستقالة رئيس يرونه فاسدا. وكان سوبوليف يوزع الطعام ويساعد في تنظيف الميدان. وعندما بدأت الشرطة في إطلاق النار على من يطلق عليهم "متظاهرو الميدان" أحضر إطارات وتم إشعالها لبناء ستارة واقية من الدخان. ويتذكر سوبوليف أن الهتاف كان "النيران تنقذ الأرواح" وانتهى الأمر برئيس أوكرانيا في المنفى، وتخلى سوبوليف عن إدارة الأموال ليشغل منصبا استشاريا دون أجر للمساعدة في إعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة. وبعد مرور أربع سنوات، كرس مهاراته في مجال الأعمال التجارية للعمل على مكافحة الفساد، وهي مشكلة لا تزال تعصف بدولة أوروبا الشرقية التي يبلغ عدد سكانها 44 مليون نسمة. واحتلت أوكرانيا المرتبة 131 من بين 176 بلدا وفقا لمؤشر تصورات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية في عام 2016 . وأنشأ فريق الناشطين الذي يشارك فيه سوبوليف نظاما للمزادات الإلكترونية، أضفى الشفافية على المبيعات الغامضة الشهيرة للأصول العامة بدءا من القروض المصرفية حتى الخردة المعدنية. ويقول ماكس نيفيودوف، أول نائب لوزير الاقتصاد في أوكرانيا، "إن النظام الذي يُطلق عليه اسم ProZorro.Sale تناول خلال شهوره الـ 13 الأولى، معلومات قيمتها 210 ملايين دولار"، أي ما يقرب من الأموال التي تم تحصيلها من مبيعات الخصخصة التقليدية في السنوات الخمس الماضية. وكان ذلك بمنزلة دفعة قوية للحكومة الأوكرانية التي تعاني نقصا شديدا في الموارد المالية. وينتمي سوبوليف إلى جيل جديد من الشباب المثالي، الذين يستخدمون التكنولوجيات الرقمية لتعزيز الشفافية والنزاهة. ومثلما ساعدت الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي على تمكين الانتفاضات الشعبية من أوكرانيا إلى تونس، فإن تكنولوجيات القرن الحادي والعشرين من قبيل سلاسل مجموعات البيانات "بلوك تشين" والبيانات الضخمة توفر أسلحة جديدة قوية لمكافحة الفساد، وهو ظاهرة يرجع تاريخها إلى القرن الأول قبل الميلاد على الأقل، عندما قام يوليوس قيصر بتأمين منصب بونتيفيكس ماكسيموس بدفع رِشَا للناخبين. وفي جميع أنحاء العالم، تقدر تكلفة الرِّشا وحدها بمبلغ تريليوني دولار سنويا، أي ما يعادل إجمالي الناتج المحلي لإيطاليا تقريبا، وأكثر عدة مرات من المعونة الإنمائية العالمية البالغة 142 مليار دولار، لكن يتسبب الفساد في خسائر أكبر بكثير، وفقا لدراسة أجراها صندوق النقد الدولي في عام 2016 بعنوان: الفساد: "تكاليفه واستراتيجيات تخفيف حدته ويؤدي الفساد إلى تثبيط استثمارات القطاع الخاص، ويكبح النمو الاقتصادي". ويوجه المسؤولون الفاسدون الأموال العامة إلى مشروعات تهدر الأموال وتولّد الرِّشَا، وتستنزف الأموال التي يمكن إنفاقها على الصحة والتعليم والخدمات الأخرى التي تعود بالنفع على الفقراء. ولا يكون لدى الشباب أي حافز على اكتساب مهارات جديدة في المجتمعات التي تزيد فيها أهمية من يعرفونه على ما يعرفونه. وتحقق البلدان التي يقل فيها الفساد معدلات نمو أعلى، ولديها مستويات أعلى من إجمالي الناتج المحلي، وتحتل مراتب أعلى وفقا لمؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة الذي يقيس أمورا مثل متوسط العمر وعدد سنوات الدراسة، كما تقول سوزان روز أكرمان، أستاذة القانون في جامعة ييل التي تبحث الاقتصاد السياسي للفساد. وهذا ما يفسر السبب وراء المساعدة التي تقدمها المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلى الحكومات لمكافحة الفساد من خلال تحسين الشفافية والمساءلة وبناء المؤسسات. وتوفر حركة مكافحة الفساد فرصا للشركات الخاصة المعنية بالتكنولوجيا مثل مجموعة شركات بيتفوري، التي وقعت عقدا مع جورجيا لتسجيل سندات ملكية الأراضي باستخدام تكنولوجيا سلاسل مجموعات البيانات "بلوك تشين"، وتعمل هذه التكنولوجيا كوسيلة للتبادل ـــ النقود أو المعلومات ـــ وكقاعدة بيانات تسجل المعاملات تلقائيا. ويتم تشفير السجلات وتخزينها عبر شبكة من أجهزة الكمبيوتر، وليس في موقع مركزي، حيث لا يمكن تعديلها أو سرقتها. وتقدم بعض الشركات المبتدئة خدماتها إلى المنظمات الخيرية وكذلك إلى الحكومات. ومن بينها شركة A
مشاركة :