التفت نحوي وقالت:- من الغريب أنك لم تحب حتى الآن، فالمرء عندما يصل الأربعين لابد أنه قد أحبّ ولو مرة واحدة على الأقل؟!- أراقب امرأة منذ كنت في الثانية والعشرين من عمري، وإن كنتِ تعتبرين تلك المراقبة حبًا، فقد أحببت.استدارت بكرسي مكتبها نحوي بزواية 180 درجة، فاغرة فاها، وحدقت فيِّ، وبؤبؤ عينيها جامد لا يتحرك، وحاجباها صارا في منتصف جبينها، ثم قالت شاهقة:- حقًا - أراقب حتى حركة نهديها الصغيرين على إيقاع تنفسها.تحسّست بشكل لا إرادي نهديها الصغيرين كثمرتين توقفتا عن النمو أسفل بلوزتها الشيفون الزرقاء، وهي شاردة الذهن، وصمتها يخترق حاجز الصوت مدويًا في أذني، وأطرقت برأسها محاولة جمع شتات أفكارها التي بعثرتها كلماتي، بينما أكملت وأنا واجم قانط:- لقد مرت السنون وأنا أراقبها مختبئًا وراء خوفي الذي يحجبها عني وهي إلى جواري، فقد كنت أحتاج جسرًا لأعبر إليها، حتى لا يُغرقني الخوف في اللامسافة الفاصلة بيننا...وفي لمح البصر أصابتني رعشة مُفاجئة، واشتعل وجهي احمرارًا، وتقاطرت حبات العرق على جبيني.فعادت من شرودها، وتأملتني بنظرات تمتزج فيها الدهشة والاستنكار، والحزن والعطف، وقالت:- أنت محموم ولابد أنك تهذي.ولكن شذى عطرها جعل حواسي المُرتعشة تنتعش، وفتح بابًا لاحتمالات لا حصرها، فكل شيء ممكن الآن، والكلمات التي وددت أن أخبرها بها قد تخرج من شرنقة الصمت، وتغادر حلقي العالقة به طيلة ثمانية عشرة عامًا، لتعبر بي ذلك الجسر الذي أقامه سؤالها.فقلت وأنا أستجمع قواي، مُبتلعًا لعابيِّ كحجر ينزلق عبر المرئ ليسقط في معدتي، حتى تخرج نبرة صوتي بشكل طبيعي: • سألتِ.. والإجابة أنت. ابتسمتْ ابتسامة فارغة من أي معنى، وكأنها تعبير عن انطباع مبهم تجاه شخص لا تعرفه، جعل عواطفها الخاملة مرتبكة مضطربة، حتى أكاد أسمع ضربات قلبها، ثم تأملت أظافرها الطويلة المطلية باللون الأحمر الخمري لأكثر من دقيقة، وأكملت الدائرة بإضافة 180 درجة، فعادت لمكانها، وأصبح ظلانا المتواجهين متوازيين، متجاهلة تلك الدراما التي أنتجها سؤالها، ففي التجاهل يبدو كل شيء كأنه لا شيء.فأدركت أني عبرت الجسر لأنتقل من صمت إلى صمت يطرح سؤالًا غير مرئي حول الحقائق التي يحرم التصريح بها، أو حتى التفكير فيها لتبقى في قبضة التعاسة والكتمان.ـــــــــــــــــــــــــــــــــهامش:• سُئِلت هذا السؤال في الثامن من نوفمبر 2012
مشاركة :