رضا نايل يكتب : «شات»

  • 5/3/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

عندما رأيتها لم أكن متأكدًا من أنها هي، فملامحها مختلفة في الواقع عن صورتها على الفيس بوك، فقد كانت مضطربة شديدة الاهتياج، ووجهها ملتهب وكأن نيران الجحيم قد لفحته، وفي خدها الأيسر حركة صعبية تجذبه آليا لأعلى، فترمش عينها بشكل متلاحق، وجسدها كله يرتجف، وكأنها توشك أن تصاب بنوبة صرع.وإذ بها.. وأنا أتاملها حتى تتطابق الصورتان.. الافتراضية المشوشة تمامًا، والواقعية المتداخلة الملامح والألوان، تحتضنني بقوة كغريق أمسك بلوح خشبي وسط بحر هائج، وأنا متجمد في مكاني كلوح من الثلج لا الخشب، أراقب نظرات الناس الذين قد جذب أعينهم المشهد فتعلقت بنا، حتى أن بعضهم التقطت بهاتفه المحمول صورا لذلك المشهد الرومانسي، بينما دموعها الساخنة التي أشعر بها تنهمر على عنقي، جعلته مشهدا دراميا، فسواء كنت من الخشب أو الثلج فإن لي قلبا دافئا ينبض بحبها.ولا أدري كم من الوقت قد مر والنار تحتضن الثلج، حتى هدأت وعادت ملامحها تقترب من صورتها المرسومة في ذهني، ثم مرت دقائق ثقيلة ونحن نتقاسم الصمت، الذي قطعه صوته المرتجف وكأنها تجريه بين شفتيها للمرة الأولى، قائلة وسحب الحزن تكسو صفحة وجهها، رغم الدموع الغزيرة التي هطلت من عينيها حتى بللت ياقة قميصي:- لو لم أجدك كما اتفقنا لألقيت نفسي أمام المترو.فأدركت لماذا احتضنتني بهذا الشكل، وقلت بهدوء وكأني أدعم فكرتها، أو لا أبالي بها: - إن حياتنا شئ يستحق الرثاء، ولكننا لا نستحق أن ندخل الجحيم مرتين.نظرت نحوي بغرابة، وكأنها لم تكن تتوقع كلماتي، فأردفت محاولا استدراك الموقف:- والمرأة الجميلة لا تتحدث بالحماقات. أغمضت عينيها، وهزت رأسها هزة خفيفة يمينا ويسارا في يأس، فأدركت أن من يتحدث بالحماقات هو أنا.وفجأة ضحكنا بشكل هستيري، لو أن أحدا مما رأى مشهد احتضانها لي مازال على الرصيف لأعتقد أننا مجنونان. ثم نظرت نحو عينيها المنداتين بالدمع، فإذ ببعض الفرح الباهت يلمع بهما من بعيد وسط اللونين الأسود والبنفسجي القاتم المحيطين بجفنيها، وكأن قبضة حديدية قد ضربتها.أدركت أني لاحظتُ تلك السحابة القاتمة أسفل عينيها الممطرتين، فحاولت الاختباء خلف ابتسامة بلا معنى، ثم قالت ومازالت تلك الابتسامة عالقة بشفتيها:- أنت من فعل بي هذا.انتفضت كمن لدغته أفعى، بينما تابعت وهي تحاول الحفاظ على ما تبقى لديها من هدوء:- المتسبب في الجريمة شريك فيها...فقد حدث كل شئ وأنا نائمة، تصفح محادثاتي معكَ على الشات، فثار كثور هائج، وصفعني فاستيقظت مفزعة كأني في كابوس مرعب يمر وراء عيني، وعندما رفعتُ رأسي من على الوسادة ، ألقى هاتفي بقوة، ولكمني ولكمني ، حتى سقطت على الأرض، فأخذ يركلني بقدميه، وأنا متكورة حول نفسي محاولة الاستيقاظ من هذا الكابوس، ولكني كنتُ مستيقظة بالفعل….لم أعد أسمعها، بل كنت أحدق فيها بنظرات خرساء، وبداخلي عداء بارد قاسٍ يتفجر تجاهه، مفكرًا أنه لابد أن يكون قد تبعها إلى هنا، والتقطت صورا لذلك المشهد وهي تحتضنني، والذي أصبح الآن مأساة إنسانية من مشهد واحد فقط.وقبل أن يغلق باب عربة المترو خطفتها من يديها إلى داخل العربة، هربا من عيون مختبئة في الواقع تترصدنا.

مشاركة :