تعاني دول العالم تحديات كبيرة حول أساسيات العملية التعليمية في عالم العولمة الجديد، ومع تكنولوجياته التي تدور في عملية تطور سريعة، وخاصة مع ما سيرافقه من تغيرات في سوق العمل، ومع انتشار استخدام الذكاء الآلي قريبا، نجد أيضا أن التعليم في اليابان كان مثلا مميزا في خلق كفاءات متميزة لسوق العمل، ولكن بدأت تبرز تحديات مهمة في عالم العولمة، منها عدم إتقان اللغة الانجليزية، واعتماد العملية التعليمية على امتحان نهائي مع نهاية الدراسة الثانوية، والتي قد تقرر مستقبل الطالب، بحسب المؤسسة الأكاديمية أو المهنية التي ستقبله. فهناك ضغوط كثيرة على الطالب، إذ إنه يفكر في الانتحار، كما يعتبر الخبراء أن مؤشر السعادة منخفض في اليابان. لذلك بدأ خبراء التعليم مراجعة العملية التعليمية لتهيئته للتحديات المستقبلية القادمة. ولا شك ان تحديات العملية التعليمية كبيرة جدا في وطننا العربي، وخاصة مع ارتفاع نسب البطالة، وتغير المهارات اللازمة لسوق العمل، والتي لن تعد الشهادة الجامعية جزءا حقيقيا منها. ولذلك، فكرت عزيزي القارئ ان نتدارس تجربة تعليمية فريدة تنظر اليها اليابان بإعجاب، في دولة صغيرة، لا يتجاوز عدد سكانها الخمسة ملايين نسمة، وكان تعليمها ستاليني سلطوي متخلف جدا، لتصبح اليوم مثلا جميلا لعملية تعليمية مريحة، تنشأ أجيال أخلاقية، منتجة، مبدعة، متواضعة، بسيطة، قليلة البذخ، وسعيدة. وهنا أريد أن اوكد أهمية تهيئة الطفل لمهارات السعادة، التي تزيد الإنتاجية والإبداع، وتخفض نسب الأمراض العضوية والنفسية التي أصبحت وباء خطيرا ومكلفا جدا، والتي ستنهك 25% من النتاج المحلي الإجمالي قريبا في مجتمعات الألفية الثالثة. فقد لفت نظري محاضرة لبروفيسور الطب النفسي بجامعة هارفرد، روبرت ولدنجر، الذي يعرض بحثا بعنوان، ما الذي يخلق حياة جيدة، فقال: «ما الذي يبقينا سعداء وأصحاء حينما نشق طريقنا في الحياة؟ لو أردت الاستثمار في نفسك الآن أين ستركز طاقتك؟ فقد بين بحث علمي أجرته جامعة هارفرد بين الشباب أن أهم هدف للحياة بين80% منهم، هو أن يصبحوا أغنياء، و50% منهن أضافوا أيضا الشهرة، ونحن يوميا تحت ضغط العمل أكثر وأكثر، ليعطينا الانطباع بان هذه هي الأهداف التي يجب أن نناضل لتحقيقها في الحياة. وطبعا، نحن مع الأسف، ننسى الكثير من تجارب حياتنا لنعرف حقائقها، ولكن لو أعطينا الفرصة لنراقب تجارب الحياة من قرب، بين مراهقين، وعلى مدى خمسة وسبعين عاما، لكي نعرف الجواب للسؤال: ما الذي يحافظ على صحة وسعادة البشر؟» لقد قامت جامعة هارفرد، بمحاولة للإجابة عن هذا السؤال، من خلال بحث استغرق حتى الآن خمسة وسبعين عاما، أجري على سبعمائة وستة وعشرين شخصا، والذي ضم متابعة حياة هؤلاء الأشخاص منذ طفولتهم حتى عمر الشيخوخة، كما أن هناك حوالي ستين شخصا منهم أحياء حتى اليوم، وهم مستمرون في تكملة البحث، وهم اليوم في التسعينات من العمر، كما أن هناك أكثر من ألفين من أطفال هؤلاء الأشخاص، هذا البحث مستمر في دراسة حياتهم. والبروفيسور ولدنجر هو المدير المسؤول الرابع عن هذا البحث، فمنذ عام 1938 تابع الفريق المسؤول حياة فريقين من الرجال، الفريق الأول بدأوا حينما كانوا في السنة الأولى بجامعة هارفرد، وانهوا جميعا دراستهم الجامعية في فترة الحرب العالمية الثانية، ومعظمهم خدموا في هذه الحرب. وضم الفريق الثاني أولادا من منطقة فقيرة جدا في مدينة بوسطن، في ثلاثينيات القرن الماضي. وقد قام الباحثون بمقابلة هؤلاء الأشخاص قبل اختيارهم لهذا البحث، بل زاروا مناطقهم ومنازلهم، وقابلوا أهاليهم، وكبر هؤلاء الشباب، ودخلوا في مختلف معارك الحياة، ليصبحوا عمال مصانع وعمال بناء ومحامين وأطباء، أو تجارا، بل أحدهم أصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، والبعض الآخر فشل وأدمن الكحول، أو أصيب بانفصام الشخصية. وبعضهم صعد من بؤس الفقر إلى قمة الثراء، بينما البعض الآخر انتهى في الاتجاه المعاكس، من الثراء الفاحش إلى الفقر المدقع. ويعلق البروفيسور: «لم يحلم من بدأوا هذا البحث بأنني سأقف أمامكم اليوم، بعد خمسة وسبعين عاما من بدئه، لأقدم لكم نتائجه وهو مستمر حتى اليوم، ومع التواصل المستمر مع هؤلاء الأشخاص، وسؤالهم عن حياتهم، بل نتابع أيضا تقاريرهم الصحية، ونقوم بفحوص مخبرية ومقطعية للمخ، ونتحدث مع أطفالهم، ونصور حديثهم مع زوجاتهم وعن قلقهم ومعضلات حياتهم، ويبقى السؤال: ما الذي تعلمناه من عشرات الآلاف من أوراق هذا البحث على مدى السنوات الخمس والسبعين الماضية؟». ويعرض البروفيسور نتائج البحث فيقول: «الدرس الذي تعلمناه لم يكن عن المال والشهرة والعمل الشاق المستمر، بل الدرس الأساسي الذي تعلمناه من هذا البحث، هو ان العلاقة الإنسانية الجيدة هي التي تبقي الإنسان أكثر صحة وسعادة، بل تعلمنا ثلاثة دروس مهمة عن العلاقات الإنسانية، الدرس الأول هو ان التواصل الاجتماعي مهم جدا للإنسان، والوحدة تقتل الإنسان. فقد تبين أن الأشخاص المتواصلين باستمرار مع زوجاتهم وأطفالهم وعائلاتهم وأصدقائهم، هم أكثر سعادة، وأكثر صحة، بل يعيشون عمرا أطول، وقد تبين أن الوحدة سامة، فالأشخاص المعزولون وبعلاقات ضئيلة يكونون أقل سعادة، وأقل صحة، ويصابون بالخرف مبكرا، ويعيشون حياة أقصر. وطبعا نعرف أن بإمكاننا أن نكون وحيدين في الزحام، بل وأن نكون وحيدين في الزواج. والدرس الذي تعلمناه من هذه الدراسة أيضا هو أن جوهر الموضوع ليس عدد العلاقات التي تربطنا بالآخرين، أو أن نكون في علاقة ارتباط زواج عائلي، بل المهم نوعية هذه العلاقات مع الأصدقاء أو الزوجات أو العائلة ككل، كما تبين لنا أن العيش في علاقات عدائية مضر جدا بالصحة، وطبعا تقل فرص السعادة، وتقصر سنوات العمر، كما أن العلاقات الزوجية السيئة مضرة جدا بالصحة، بل أسوأ من الطلاق، بينما العيش في علاقة زوجية حميمة تسعد القلب وتحافظ على الصحة وتطيل العمر، كما بينت لنا هذه الدراسة أن من كانوا في الخمسين من العمر، لم يقرر مستقبل حياتهم كمية الكوليسترول في دمائهم، بل إن الأشخاص الذين كانوا راضين عن علاقاتهم الزوجية والشخصية، هم أكثر صحة في ثمانينات العمر، بل العلاقات الحميمة تؤخر الشيخوخة، وحتى موضوع الشعور بالألم يكون أقل بكثير في العلاقات الحميمة، وأشد بكثير في العلاقات المتوترة. أما الدرس الثالث الذي تعلمناه من هذه الدارسة، هو أن العلاقات الحميمة تقي أجسامنا من الأمراض، بل تقي عقولنا أيضا منها. بل تبين أن علاقات الزواج الحميمة والتي تضمن الأمان النفسي والمادي، تحافظ على العقول أكثر ذكاء وذاكرة، بينما تؤدي علاقات الزواج غير المضمونة نفسيا وماديا، لانخفاض سريع لنسبة الذاكرة، مع الخرف المبكر. وطبعا لا يعني ذلك أن العلاقات الزوجية الحميمة هي سلمية دائما، ولا تتعرض للصعاب والانفعال والغضب، بل تعني بقاء الثقة والأمان بالرغم من ذلك، أي أن كل واحد منا يستطيع الاعتماد على الآخر وقت الشدة والضيق، وأن هناك إخلاصا حقيقيا في هذه العلاقة. فطبعا كلنا يعرف هذه الحقائق، التي تحتاج جهدا للمحافظة على العلاقات الحميمة مع العائلة والأصدقاء، ولكننا نركض عادة نحو علاجات آنية سريعة، لنعالج مشاكلنا وانفعالاتنا. وينهي البروفيسور محاضرته بالقول: «كما لاحظنا أن الأشخاص في سبعينيات العمر المتقاعدين، هم الذين يحولون زملاء العمل إلى أصدقاء التقاعد، هل حان الوقت لكي تتصل بزملائك؟ هل حان الوقت لعلاقات عائلية حميمة؟ هل حان الوقت للابتعاد عن مشاغل الحياة والاقتراب من الأصدقاء؟ وأريد أن انهي المحاضرة، بمقولة للكاتب مارك توين، حينما حاول قبل أكثر من قرن مضى، أن يراجع سيرة حياته، فكتب يقول: ليس هناك وقت في حياتنا القصيرة للانفعال والاعتذار وحموضة المعدة، بل هناك وقت فقط للحب من خلال علاقات إنسانية حميمة، فالحياة السعيدة تبنى من خلال علاقات إنسانية حميمة». أما السؤال الذي طرحته تجربة التعليم الفنلندية، كيف نهيئ النشء للحياة السعيدة؟ وقد قامت الصحفية الأمريكية لينيل هانكوك، من كلية الصحافة بجامعة كولومبيا، بزيارة لفنلندا لدارسة العملية التعليمية فيها، حيث هناك حوالي اثنين وستين ألف معلم، في ثلاثة آلاف وخمسمائة مدرسة في فنلندا، اختيروا من قمة 10% من الأوائل في الجامعات، ليتقدموا وينجحوا في ماجستير التعليم. والكثير من هذه المدارس صغيرة بحيث ان المعلمين يعرفون جميع الطلبة شخصيا، كما ان هناك نوعا من الاستقلالية بحيث ان المعلمين لديهم الاستعداد النفسي بعد المناقشة، لتغير طرق التعليم الفاشلة بسهولة، بمعنى أنهم مهيأون للتعامل مع التحديات بطريقة سلسة. والجدير بالذكر ان حوالي نصف طلاب مائة وخمسين مدرسة ابتدائية، هم من أهالي المهاجرين من دول مختلفة، كالصومال والعراق وروسيا وبنجلاديش واستونيا وإثيوبيا وغيرها. وقد بدأت ثورة التعليم قبل أربعة عقود، وكمفتاح لخطة المعالجة الاقتصادية، ولكن لم يلحظ أحد التطور إلا بعد سنة الألفين، حينما ظهرت نتائج امتحان التقييم الدولي (بيزا)، لتبين ان طلبة فنلندا هم أفضل طلبة العالم في القراءة، وبعد ثلاث سنوات كانوا الأوائل في الرياضيات، وفي عام 2006 كانت فنلندا الأولى في العلوم الطبيعية. ويعلق الأستاذ هيكنن، مدير مدرسة هيلسنكي فيقول: «لقد اندهشت، فلم اعتقد أننا في هذا المستوى. والحقيقة نحن لا نعتمد على هذه الأرقام في طريقة تعليمنا، فالقياس بالإحصاءات يبعدنا عن الوجه الإنساني للتجربة». والحقيقة أنه ليس هناك امتحانات معادلة، ما عدا امتحان إتمام الدراسة الثانوية، وليس هناك ترتيب، ولا مقارنة أو منافسة بين الطلبة أو المدارس أو المناطق، كما أن جميع المدارس حكومية، تدار من دوائر حكومية، مسؤولوها جميعهم متخصصون في التعليم. وجميع المدارس لها نفس الأهداف الوطنية، وتستقي معلميها من نفس المنبع من خريجي الجامعة، بعد الحصول على درجة الماجستير، كما ان جميع المدارس وفي جميع المناطق نفس المستوى من العاصمة وحتى اصغر قرية، ونتيجة ذلك أن جميع الطلبة في فنلندا يحصلون على نفس مستوى التعليم من مختلف الطبقات ومختلف المناطق، أي شمولية كاملة للتعليم، والفرق بين أفضل طالب وأسوأ طالب ضئيل جدا، فالنوعية والمساواة هي مفتاح النجاح في التعليم الفنلندي، وبكل ذلك فهي أفضل بلد في التعليم بين جميع دول العالم. كما يتخرج 93% من الفنلنديين في المدارس الأكاديمية أو المهنية، أي أعلى من النسب بالولايات المتحدة بحوالي 17.5%، كما أن 66% من هؤلاء الطلبة يلتحقون بالتعليم العالي، وهي أعلى نسبة في الاتحاد الأوروبي، في حين أن كلفة التعليم عن كل طالب في فنلندا اقل 30% من الكلفة في الولايات المتحدة. والجدير بالذكر ان الفنلنديين لا يفتخرون بتعليمهم، ففي الوقت الذي لا تعني لهم درجات الامتحانات الدولية شيئا، لكنهم يفتخرون جدا حينما يفوز فريقهم الوطني في المسابقة العالمية لكرة الهوكي. ويعلق باسي سهلبرج، مدرس الرياضيات والفيزياء، ووزير التعليم والثقافة، فيقول: «نحن لا نهتم كثيرا بالـ(بيزا)، فليس هو هدفنا». كما يهتم التعليم باللعب وخاصة في السنوات الأولى، وحينما يجتمع الطلبة في الفصل ليقيموا نوعية اللعبة التي مارسوها. ويقضي المعلمون في فنلندا اقل وقت يوميا في المدرسة من الفصول الدراسية الأمريكية، بل يستفيدون من باقي الوقت، في تطوير المناهج وتقييم تطور الطلبة، كما ان الواجبات المدرسية نادرة. ويبدأ التعليم الإجباري في سن السابعة، ويعلق الأستاذ لوهيفوري: «نحن لا نستعجل، فيتعلم الأطفال أفضل حينما يكونون جاهزين، فلماذا نعرضهم لضغوط القلق النفسية؟» وتوفر الدولة ثلاث سنوات إجازة وضع، وتدعم مدارس الحضانة، وتوفر تربية ما قبل المدرسة لجميع الأطفال في سن الخامسة، وتعتمد التركيز على اللعب والتنشئة الاجتماعية، كما تدعم الدولة العائلة بدفع مائة وخمسين يورو لكل طفل، حتى سن السابعة عشرة. وحوالي 97% من الأطفال بعد سن السادسة يلتحقون بالمدارس الحكومية، حيث يبدأون التعليم الأكاديمي. وتوفر المدارس الطعام والرعاية الصحية مجانا. وفي السنة الأولى يتعلم الطلبة اللغة الفنلندية، والرياضيات والعلوم والموسيقى والرسم والرياضة والدين والمنسوجات اليدوية، ويتعلمون اللغة الإنجليزية في الصف الثالث، والسويدية في الصف الرابع، وفي الصف الخامس يدرسون أيضا علم الأحياء والجغرافيا والتاريخ والفيزياء والكيمياء. ولا يسمح للطالب بالمشاركة في أي امتحانات معادلة حتى الصف السادس، وطبعا بعد موافقة مدرسة الفصل، ومعظم الطلبة يشاركون كنوع من الفضولية، ولكن لا تعلن النتائج، بل يستغرب المعلمون ولع الأمريكيين بامتحانات المعادلة. فتعلق لوهيفوري: «يحب الأمريكان إحصائيات نتائج الامتحانات، بينما نحن نعرف طلابنا أفضل مما تعلمنا نتائج الامتحانات». والجدير بالذكر أن المؤسسات التعليمية لها دور مهم في مساعدة الطالب للحصول على وظيفة تناسب مهاراته العملية. والجدير بالذكر ان التعليم في فنلندا كان متخلفا حتى ستينيات القرن الماضي، حينما بدأت تتخلص من السيطرة السوفيتية، حيث كان معظم الطلبة يتركون المدرسة بعد ست سنوات من الدراسة، والباقي يلتحق بمدارس خاصة أو أكاديمية، والقليل يلتحق بتعليم نوعي. فخلال أربعة قرون كان يعاني الشعب الفنلندي من قوتين متضادتين، الملكية السويدية والقيصر الروسي، وفي عام 1809 تنازلت السويد عن فنلندا لروسيا، بعد ان حكمتها ستة قرون. وحينما قامت الثورة البلشفية في عام 1917 أعلنت فنلندا استقلالها لتدخل البلد في حرب أهلية، كما كانت هناك ثلاث حروب خلال الأعوام 1939 وحتى عام 1945 مع الألمان والروس، أنهكت البلاد بديون كبيرة للروس. وفي عام 1963 قرر البرلمان اختيار التعليم الحكومي لتحقيق الانتعاش الاقتصادي، ويعلق ساهلبرج: «الحلم الأكبر للتعليم الفنلندي هو ببساطة فكرة ان يتوافر لكل طفل مدرسة حكومية جيدة جدا، فلكي ننافس في عالمنا اليوم، علينا تعليم كل فرد في المجتمع. وكل ذلك نتيجة للرغبة في استمرارية البقاء». وقد قرر البرلمان الفنلندي تنظيم المدارس في نظام حكومي شامل وحيد، للأطفال من سن السابعة حتى سن الثامنة عشرة، وجميع معلمي البلد يشاركون في وضع منهج دراسي، يوفر خطوطا عريضة وليس وصفة علاجية، وسيتعلم الطلبة اللغة الفنلندية والسويدية ولغة ثالثة وخاصة اللغة الإنجليزية، وتوزع الموارد بالتساوي. وفي عام 1979. تقرر أنه يجب على أي مدرس أن يحصل على شهادة الماجستير في التعليم، ومنذ ذلك الوقت أصبح المدرسون في مرتبة الأطباء والمحامين نفسها. لذلك زاد عدد الطلبات على مهنة التعليم، ليس لزيادة الدخل، ولكن لزيادة الاستقلالية والاحترام والتقدير الشعبي والحكومي للمهنة. ففي عام 2012 تقدم 6600 شخص بطلبات إلى 660 فرصة للتدريب في مجال التعليم، ومنذ عام 1980 تخلصت الفصول المدرسية من السلطة الهرمية في إدارة التعليم، لتتحول السلطة لمجالس المدن، كما تحول المنهج الدراسي إلى خطوط عريضة للتوجيه، وألغيت برامج الطفل الموهوب، واعتبر كل طفل موهوب لكي يدرس في نفس الفصل مع أقرانه، مع توافر المساعدة التعليمية الكافية لكي لا يتخلف أي طفل، كما ألغي الإشراف على المدرسين والمدارس منذ عام 1990. وحولت مسؤولية المساءلة إلى مدير المدرسة والمدرسين معا. ولتعلق المدرسة لوهيفوري على ذلك بقولها: «فلدينا تحفيزنا الذاتي للنجاح، لأن حوافزنا في داخلنا، بينما الحافز الخارجي هو احترام وتقدير مهنة التعليم من الجميع». والحقيقة أن برزت نتائج تطور التعليم الفنلندي عالميا خلال العقد الماضي، بعد أن عانى من السيطرة الاستالينية فيما قبل السبعينيات، ومع ذلك هناك تحديات حتى اليوم، بل إضافة لازمة التسعينات الاقتصادية تحديات جديدة. فباختصار، يتكون التعليم الفنلندي من تعليم للعناية بالأطفال الرضع، ثم سنة للتعليم ما قبل المدرسة لأطفال سن السادسة، وبعدها التعليم الأساسي الشامل من سن السابعة وحتى سن السادسة عشرة، ثم التعليم الأكاديمي أو المهني الثانوي من سن السابعة عشرة الى الثامنة عشرة، ثم التعليم الجامعي، وبعدها التعليم المستمر للبالغين ومدى الحياة، وان تكون المدرسة قريبة للسكن، وأن تكون جميعها نفس المستوى. وهناك أربعة وأربعون جامعة، وقد سجل التعليم الفنلندي أعلى مؤشر لجودة التعليم في العالم، وبسبب انه تعليم شامل، متساوٍ، ومستقل، ومع مدرسين أكفاء، كما أنه من النادر ان تكون هناك امتحانات أو واجبات مدرسية، كما لا يقيم الطالب في السنوات الست الأولى في المدرسة، وهناك امتحان معادلة وحيد وغير إاجباري في سن السادسة عشرة، والكلفة 30% اقل من أمريكا، و66% من الطلبة يكملون الجامعة، 93% يتخرجون في الثانوية، 43% منهم يتجهون الى التعليم المهني. ولنا لقاء.
مشاركة :