الدكتور الفاضل يتحدث عن الوافد الكريم الذي سيحل بعد أيام

  • 5/12/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في خطبته ليوم الجمعة بجامع نوف النصار بمدينة عيسى أمس تحدث الدكتور عبدالرحمن الفاضل عن الوافد الكريم.. شهر رمضان المبارك، فقال: يتطلع المسلمون في شغف ولهفة للوافد الكريم الذي سيحل بعد أيام معدودة، وهم يسألون الله تعالى ويتضرعون إليه أن يمد في آجالهم ويبلغهم إياه ليحيوا لياليه بالقيام، وأيامه بالصيام، وساعاته بالذكر وقراءة القرآن الكريم، إنه الشهر المعظم شهر القرآن الكريم، يقول تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ). هذا الشهر المبارك الذي أُكرمت فيه الأمة بنزول الوحي بكتاب الله تعالى الخالد، وحجته البالغة، أنزله تعالى هداية ورحمة للعالمين، ونورا يبدد ظلمات الضلال الأثيم، يقول تعالى: (قَد جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ). هذا الكتاب المبين تضمَّن منهاجا كاملا متكاملا، وشريعة تامّة خاتمة لا نقص فيها ولا قصور، فيها الهداية والصلاح للخلق أجمعين شريطة اتباعه والأخذ بهديه، يقول تعالى: (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)، إنه كتاب الحق العزيز، الذي لا يتلبسه الباطل أبدا، لقوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم. نعم، إنه القرآن الكريم، حبل الله المتين من اهتدى بهديه فاز فوزًا عظيمًا، ومن طلب الهدى في غيره خسر خسرانا مبينا. إنه المعجزة الخالدة، والعصمة المانعة، والحجة الدامغة، إنه الشفاء لما في الصدور، إنه الحكم العدل عند اشتباه الأمور، يقول تعالى: (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). إن المسلم الحق على يقين صادق، وعقيدة راسخة أن الثبات على الصراط المستقيم، وأن سبيل الهداية الصحيح؛ يكمن في اتباع كتاب الله تعالى-؛ وذلك بالتزام كل ما أمر، والانتهاء عن كل ما نهى عنه.. وقد حذر الله سبحانه عباده بكل وضوح من الإعراض عن كتابه الكريم، في قوله تعالى: (فإما يأتينَّكم منِّي هُدًى فمن اتَّبع هُداي فلا يضل ولا يشقى، وَمَنْ أعرَضَ عن ذكري فإن له معيشةً ضنكًا ونحشُرُهُ يومَ القِيَامةِ أعمى) أي أن من اتبع القرآن وعمل به فإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ تكفل له بأن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة. وأن من أعرض عن القرآن ولم يعمل به؛ فإن عقابه أن تكون معيشته ضنكا، وأن يحشر يوم القيامة أعمى، مصداقا لقوله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فإن لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا. قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى). وها هو شهر رمضان المبارك، شهر القرآن مقبل علينا فلنأخذ فيه القرآن بقوة، ولنتلوه حق تلاوته، هذا القرآن العظيم، هو الذي لم تنته الجنّ إذ سمعته حتى قالت في قوله تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إلى أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إلى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا). وقوله تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إلى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ). إنه القرآن الكريم كلام الله الصادق العظيم: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثًا)، (وَمَنْ أصْدَقُ مِنْ الله قِيلا)، فمن أراد زيادة إيمانه، وتقوية يقينه، فعليه أن يتجه بكليته إلى القرآن الكريم، وأن يقبل على تلاوته وتدبره وتفهم معانيه بخالص الإيمان، ففيه الهداية الأقوم، والثواب الأعظم لقوله تعالى: (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا). ولنعلم بأن القرآن الكريم، لم ينزل لنقرأه بألسنتنا من دون تدبر، أو نتنافس في حفظه وتلاوته بنية الفوز في المسابقات للحصول على المراتب الأولى والجوائز التي تعطى، ولم ينزل للتبرك به في المنازل والمكاتب، أو افتتاح اللقاءات والاحتفالات والمهرجانات، ولا ليقرأ على الموتى أو غير ذلك، هذه مفاهيم خاطئة، وأعمال مخالفة لمقاصد الشرع الحكيم، وإنما أنزل للتدبر والعمل به، يقول تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ). فالسعيد من صرف همته إليه، ووقف فكره وعزمه عليه، والموفق من وفقه الله لتدبره، واصطفاه لتذكره فإنه حياة القلوب: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). ولذلك اقرأوه بتدبر وتفهم وتمعن، لأنه منهج حياتنا نحن المسلمين، وسبيل نجاتنا يوم الدين، فإن الله أنزل القرآن هاديًا لنا إلى الحق، ودليلاً يدلنا على الصراط المستقيم، به نهتدي، ولأوامره نتبع، ولنواهيه نجتنب: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). فمن أرد الرفعة فعليه بالقرآن الكريم، يقول عليه الصلاة والسلام-: «إن الله تعالى يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين». وإننا لا نقصد فيما ذكرنا ألا يتنافس المسلمون في حفظ كتاب الله تعالى، فالأجر كما هو معلوم والثواب في ذلك عظيم، كما وردت بذلك الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة؛ وإنما قصدنا ألا نترك العمل به والاقتصار على العلم والحفظ دون العمل والتطبيق الذي من أجله أنزل هذا الكتاب الكريم، وسلفنا الكرام ينبؤوننا بذلك، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «سيأتي زمان تكثر فيه القراء ويقل الفقهاء، ويقبض العلم ويكثر الهرج، قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل بينكم، ثم يأتي بعد ذلك زمان يقرأ القرآن الرجل لا يجاوز تراقيهم، ثم يأتي بعد ذلك زمان يجادل المنافق الكافر المشرك بالله المؤمن بما يقول» (رواه الحاكم وصححه وله شواهد في الصحيحين). وكأني بكم تسمعون القراء اليوم وكيف وصل ببعضهم الحال، وما ينشرون من تسجيلات، وما يطرحون من قراءات ممططة تتفق ولحون المغنين، حيث تجد القارئ منهم يتفنن في إصدار أصوات مختلفة لقرآن واحد، واستغل البعض صوته لقراءة القرآن أول الأمر ثم تحول لإصدار تسجيلات لأناشيد إسلامية بحسب زعمهم، وخرج البعض عن قواعد التجويد إلى المقامات الموسيقية في قراءة القرآن، وممن انتشر منهم وذاع صيته بين الناس من أخذ يتكلم بغير علم ويعيب على العلماء، ويستهزئ بالصالحين، ويتهجم على المصلحين!! أهذا هو أدب القرآن الذي يحفظه هذا القارئ؟ حاشا وكلا!! ولذلك لا نغتر بالحفظ والحفاظ إن لم ينضبطوا بأدب وأخلاق وعظمة ما يحفظون من القرآن الكريم!! إننا ندعو إلى تدبر القرآن ودراسته وفهم معانيه لكل من يريد أن يحفظ كتاب الله العظيم هذا ما يجب علينا ابتداء، وليس الحفظ المجرد، فعن عثمان وابن مسعود وأُبَيّ –رضوان الله عليهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُقرئهم العشر فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل، فيعلمنا القرآن والعمل جميعا «وعن عبدالله بن مسعود: إنا صعب علينا حفظ ألفاظ القرآن، وسهل علينا العمل به، وإن من بعدنا يسهل عليهم حفظ القرآن، ويصعب عليهم العمل به»، وعن ابن عمر قال: كان الفاضل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صدر هذه الأمة لا يحفظ من القرآن إلا السورة أو نحوها، ورزقوا العمل بالقرآن؛ وإن آخر هذه الأمة يقرؤون القرآن منهم الصبي والأعمى ولا يرزقون العمل به». هذا ما قصدناه أن السابقين رزقوا التدبر والعمل بما يحفظون، ومَنْ تلاهم من الخلف إلا من رحم الله تعالى رزقوا الحفظ دون العمل كما أسلفنا في الآثار الآنفة الذكر!؟ إن القرآن الكريم لا يؤتي ثماره بالحفظ المجرد ولذلك نرى أعداء الأمة ومنافقيها يحفلون بالقرآن على هذه الهيئة والصورة، احفظوا القرآن كله في صدوركم لا مشكلة لدينا معكم، ولكن المشكلة تكمن حين تخرجون عن الخط المرسوم من الحفظ في الصدور والعمل بتعاليم وأحكام ما تحفظون إلى العمل بحفظ القرآن فهو الإرهاب بعينه!! لا نفتري الكذب على أحد؛ ولكن هذا هو الواقع ألم تسمعوا قديما وحديثا الحملات المعادية لكتاب الله تعالى من قيادات وزعامات صليبية وصهيونية وأذنابهم من المنافقين الذين ينادون ويطالبون بحذف آيات من القرآن الكريم ومحوها من كتبنا ومناهجنا التعليمية بزعمٍ باطل أنها تدعو إلى الإرهاب وتأمر به، وهذا كما تعلمون كذب وافتراء، والعجيب الغريب أن معظم العالم الإسلامي غير مكترث بهذه الحملات العدائية ضد أقدس مقدساتنا، وكأن الأمر لا يعنينا أبدا، فمتى يستفيق قادة عالمنا الإسلامي وكبار علماء الأمة ومنظماتها الإسلامية لتقول كلمتها ويعلموا أن مصلحتهم الحقيقية مع الله تعالى وليست مع الغرب أو الشرق، ولنحذر قوله تعالى: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم).

مشاركة :