ما بال أمتنا قد نكست أعلامها.. ورضيت بمكانتها التي لم تخلق لها؟ في خطبته ليوم الجمعة بجامع نوف النصار بمدينة عيسى أمس، تحدث فضيلة الدكتور عبدالرحمن الفاضل عن العزة والكرامة باعتبارهما من القيم الإنسانية.. قائلا: ليعلم المسلمون أنهم الأمة الأعظم والأعز، وأنهم الأعلون على كل الأمم. وتساءل.. ما بال أمتنا قد نكست أعلامها ثم رضيت بمكانتها التي لم تخلق لها؟ فهل قطعت صلتها بماضيها المجيد التالد؟ وقال: حينما انحرفت أمتنا عن طريق ربها، وحادت عن تحكيم شرعه في حياتها أصبحت أذل وأضعف أمة من بعد أن اعتزت بغير الله.. وقد استهل الدكتور عبدالرحمن الفاضل خطبته بقوله: العزة والكرامة من القيم الإنسانية التي تمثل جوهر الإنسان وحقيقة وجوده، هذه الكرامة المستمدة من نعمة استخلاف الله تعالى - الإنسان في الأرض، في قوله تعالى: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً..» وزاد المولى في تكريم الإنسان بأن أسجد له الملائكة سجود تكريم، قال تعالى: «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ» وكان التكريم الصريح للإنسان، في قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً». وإن أعظم تكريم لهذا الإنسان أن أرسل إليه الرسل يهدونه ويدلونه الصراط المستقيم: «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ..». اعلموا أيها المسلمون أنكم أنتم الأمة الأعظم والأخير، وأنتم الأمة الأعز، وأنتم الأمة الأكرم، وخلاصة الأمر أنكم أنتم الأعلون على كل الأمم. فنبيكم خاتم النبيين وسيد المرسلين، وكتابكم أعظم الكتب وأحفظها، وعقيدتكم أعلى وأجل، وشريعتكم أثبت وأحكم، ودوركم في الحياة أعم وأشمل، فأنتم الأوصياء على هذه البشرية كلها، وأنتم الهداة لها، يقول تعالى: «وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا»، وأنتم خير الأمم لقوله تعالى: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ». فإن كنتم قد حزتم هذه المكانة السامية، ونلتم هذا التكريم الذي لا يضاهى، فَلِم الضعف والذلة والمهانة؟ لم هذا الوهن والخور؟ لم هذه التنازلات المهينة؟ لم الظهور أمام العالم بمظهر المنهزم المتخاذل؟!، كيف تكون الأمة كذلك، والله تعالى ينهاها في قوله: «وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ»؟! ما بال أمتنا قد نكست أعلامها، ورضيت بمكانتها التي لم تخلق لها؟ هل قطعت صلتها بماضيها المجيد التالد؟، إنه لم يكن كل هذا ليكون لو أنها لم تهجر أسباب العزة وعوامل النصر!؟ لقد غيرت وبدلت فتحول الحال وتبدل والله تعالى يقول: «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ..». فحينما انحرفت عن طريق ربها، وحادت عن تحكيم شرعه في حياتها؛ أصبحت أذل وأضعف أمة، من بعد أن اعتزت بغير الله تنتظر من عدوها اللدود نصرا وحماية، وقد حذر الله تعالى الأمة عن موالاته أبدا، قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»، وقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ». والمؤلم أن يفاخر هؤلاء بالولاء لهذا العدو البغيض الساخر من دون الولاء لله تعالى ولا رسوله والمؤمنين!؟، وها هي أمتنا أمامنا وقد نزعت المهابة من صدور عدوها وأصابها الوهن، فكان أن صارت اليوم كما أخبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: «يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله، قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن: قال: حب الدنيا وكراهية الموت». إن كل مسلم غيور على أمته لا يقبل أبدا ما عليه حال الأمة، فلنعمل جاهدين من أجل استنهاض الهمم؛ لتعود الأمة لأيام عزها وماضي أمجادها ذلك الأيام التي نتطلع إليها، أيام أن كانت الأمة تفخر بدينها، وتعتز بإيمانها، وتربط نفسها بقوة الله التي لا تغلب!! أيام أن كانت الأمة ترفع راية الإسلام وتحكم القرآن، وتعلي راية الجهاد، تلك الأيام الخالدة التي كانت فيها للمسلمين مواقف في العزة والكرامة، يقول الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - «إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله». في زمن العز الإسلامي والشموخ الإيماني، نجد المسلمين وهم في أحلك الظروف، وأقسى الأحوال، يقفون مواقف الحزم والقوة، والعزة والإباء في رفض أي تنازلات للعدو مهما كانت النتائج، ففي غزوة الأحزاب حيث زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وظن المؤمنون بالله الظنونا، وابتلوا وزلزلوا زلزالاً شديدًا، في هذه الظروف القاسية الحرجة، وليخفف الرسول -صلى الله عليه وسلم- من شدة حصار الأحزاب للمدينة أرسل إلى عينية بن حصن، وهو من الأحزاب قائلاً: أرأيت إن جعلت لكم ثلث تمر الأنصار، أترجع بمن معك من غطفان، وتُخذل بين الأحزاب، فأرسل إليه عيينة: إن جعلت لي الشطر فعلت، فأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى سعد بن عبادة وسعد بن معاذ –رضي الله عنهما- فأخبرهما بذلك فقالا: يا رسول الله: أمرًا تحبه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله به، أم شيئًا تصنعه لنا، قال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، فقالا: يا رسول الله: قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قِرى أو بيعًا، أَفَحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا، والله مالنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم «أولئك هم الرجال الذين تربوا على مبادئ الالزة الإسلامية والكرامة الإيمانية لا يمكن أن يتنازلوا لعدوهم بشيئ ولو ضحوا بأنفسهم، لأنهم قد حفظوا قوله تعالى: «وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ».. نعم أولئك هم الرجال ومن المعيب أن يقال لمن لم يكن مثلهم رجال!! إن ما نراه من بعض العرب والمسلمين من إظهار اللين والود والمحبة للأعداء رغم العدوان البين على أمتنا، لا يعد ذلك من السياسة والكياسة في شيء، وليس من العزة الإسلامية ولا يمت للكرامة العربية الأصيلة بصلة، إن هذا لمن الذلة والمهانة والمداراة والمداهنة المكشوفة، وإن الأعداء لم ولن يقولوا بأن المسلمين رحماء مسالمون، وحتى إن تنازلتم عن مبادئنا وثوابتنا كما تفعلون، فإنهم لم ولن يقولوا إنكم معتدلون وشريعتكم سمحة - هذا لن يكون من أعدائنا الذين درسوا ديننا وعلموه وخبروه ربما أكثر من كثير من المسلمين، ولكن ماذا نقول أكثر؟ إن ما تفعلونه أيها المتنازلون يمثل في الحقيقة فشلكم الذريع ويظهر وهنكم الشنيع تجاه أعداء أمتكم!! ولعل ما أشرنا إليه يتضح لنا اليوم من خلال ما يطرق مسامعنا من بعض ساسة العرب والمسلمين فيما يطلقون من تصريحات المودة والتقارب والتفاهم الموجهة لأعدى أعداء الأمة، فلا تزيدهم تصريحاتهم تلك إلا ضعفًا على ضعف ووهنا على وهن، ولا تزيد أعداء العرب والإسلام إلا صلفًا وغرورًا، واستمرارًا في الإيذاء والاستعداء. إن بني قومنا يتوددون إلى أشد الناس عداوة لأمتنا، مصداقا لقوله تعالى: «لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا»، نعم اليهود المعتدون المحتلون لفلسطين، والمغتصبون لمسجدنا الأقصى المبارك، يأملون من ذلك كله التطبيع مع العدو الصهيوني المجرم!! إن بني قومنا ممن ينتسبون إلينا اسما ظاهرا، وينتسبون إلى الأعداء قلبا وقالبا يعلنون اليوم استسلامهم صراحة، ويعلنون تنازلهم عن القضية العربية الإسلامية الأولى قضية تحرير الأرض المباركة، يعلنون ذلك ورؤوسهم يكللها الخزي والعار والذلة والشنار، نعم، يصرحون بهذا العار من دون مواربة ومن دون خجل ولا خوف؛ لعلمهم أن الشعوب قد روضت من بعد أن أهينت ودجنت، وأقنعت بقبول واقعها المرير الذي أُشغلت فيه جل اهتمامها بمطالب معيشتها وسكناها، وخلافاتها البينية التي أشعلوها لتلهو بها وتُبيد نفسها بنفسها وتنسى عدوها التاريخي المتربص بها شرا!! وها هم السياسيون ومن لف لفهم من المستكتبين الإجراء يمتدحون شياطين قادة الكيان الصهيوني من القتلة المجرمين، ويستقبلونهم بالأحضان، ويعلنون بأنه قد حان الوقت للاعتراف بالدولة الصهيونية؛ كونها أصبحت دولة من دول المنطقة، وهي واقع يجب التعامل معه على هذا الأساس، أي من إقامة العلاقات الطبيعية التطبيعية الودية التي تكون بين الدول، وكأن هذه الدولة المزعومة المسخ ليست دولة عصابات محتلة لمقدساتنا، وقاتلة لأهلنا ومجرمة في حقنا!؟ وإنهم بهذا يقرون للعدو من أنه لم يكن هناك بلد عربي إسلامي اسمه فلسطين!؟ إنهم يريدون أن يمسحوا من الذاكرة العربية الإسلامية أن شيئا من جرائم يهود لم بكن واقعا أصلا فلم العداء لهم ولننعم بالسلام جميعا على أشلاء وطننا المغتصب، أبعد هذه الخيانة من خيانة!؟ ألا يعي هؤلاء المتصهينون أنهم بذلك يمثلون الخيانة العظمى لدين الله تعالى والأمة؟!، إنهم يستذلون بخنوعهم ليهود رجاء تطبيع العلاقات معهم ليرضوهم، بعد أن أخافوهم باثورات الخلاقة التي اصطنعوها ليثيروا الفوضى ويسقطوا بعض الأنظمة ويخفوا البعض الآخر من ذات المصير فيخضعوهم ويسلموا لهم فيسارعوا إلى عملية الإستسلام والخنوع لا السلام المزعوم لأن اليهود لايعرفون السلام، ولا يعيشون إلا من أحل اشعال الفتن من أجل السيطرة وإقامة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل!! ولذلك تسارع تلك الأنظمة لا الشعوب في خطاها حثيثا في سباق محموم لتنال رضا يهود والصليب لعل وعسى أن تنال تلك الأنظمة حمايتهم، ولا يعني تلك الأنظمة بعد ذلك أن تعيش عيشة الذل ووالصغار والمهانة ما دامت حضيت برضى يهود والصليب!؟، يقول تعالى: «وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِير». إن دين الإسلام لا يقبل منا إلا العزة، ولا يرضى لنا إلا الكرامة؛ لأن العزة والإباء والكرامة من أبرز الخلال التي نادى بها الإسلام، وتعاهد غرسها في نفوس المسلمين، وإليها يشير الفاروق عمر بقوله: أحبُ من الرجل إذا سيم خطة خسف أن يقول بملء فيه: لا»، يقول الشيخ عبدالحميد بن باديس -رحمه الله تعالى- كلمات تسطر بماء الذهب: «.. والجاهل يمكن أن تعلمه، والجافي الغليظ يمكن أن تهذبه؛ ولكن الذليل الذي نشأ على الذل يعسر أو يتعذر أن تغرس في نفسه الذليلة المهينة عزة وإباء وشهامة تُلحقه بالرجال». وأخيرا تقول الشعوب العربية والإسلامية بعزة الإسلام: لا للاستسلام أي لا للتطبيع مع الكيان الصهيوني المغتصب المحتل، والخزي والصغار لكل المتخاذين والمتآمرين من العملاء الداعين إلى هذا التطبيع!! ونذكر أمتنا ونستحثها كما هو معلوم مسطور في الكتاب الكريم؛ بأنها لن تستعيد مكانتها، ولن تسترد حقوقها، ولن تنتصر على أعدائها؛ إلا حين تبتغي العزة وترفع مهم الكرامة، والعزة لا تطلب من الكافرين من يهود وصليب، وإنما العزة تطلب من رب العزة وحده لا شريك له، مصداقا لقوله تعالى: «مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا».. ووعد سبحانه: «وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ».. «وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ».
مشاركة :