في خطبته ليوم الجمعة بجامع نوف النصار بمدينة عيسى أمس تحدث فضيلة الدكتور عبدالرحمن الفاضل عن أن «الدين النصيحة».. مؤكدا أن النصيحة مهمة جميع المرسلين.. وأن السلف الصالح (رضي الله عنهم) كانوا يتناصحون فيما بينهم ويقبلون النصيحة من دون غضاضة أو امتعاض.. فإنه ليس هناك معصوم عن الخطأ سوى المعصوم صلى الله عليه وسلم.. وأن ممن يوجه إليهم النصح هم ولاة أمر المسلمين من الحكام والقادة والمسؤولين.. فليست النصيحة لهم بشائنة. وفيما يأتي ما جاء في خطبة الدكتور عبدالرحمن الفاضل: يقول تعالى: «وَالْعَصْرِ إِنَّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ». روى مسلم في صحيحه عن تميم الداري -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم». والنصيحة مهمة جميع المرسلين، فلقد أرسل الله تعالى رسله الكرام ليكونوا ناصحين لأقوامهم، قال تعالى عن نوح عليه السلام: «أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون»، وقال تعالى عن هود عليه السلام: «وأنا لكم ناصح أمن»، وقال تعالى عن صالح عليه السلام: «ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين». وإنه لِما للنصيحة من أهمية ومكانة فقد جاءت التوصية بها، وهي حق من حقوق المسلم على أخيه المسلم، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال صلى الله عليه وسلم: «حق المسلم على المسلم ست، وذكر منها: وإذا استنصحك فانصح له». وروى البخاري عن جرير بن عبدالله -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بايعه على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم، وروى أبو داود عن أبي هريرة والطبراني عن أنس (رضي الله عنهما) قال صلى الله عليه وسلم: «المؤمن مرآة المؤمن»؛ أي المؤمن ينصح أخاه فإنه كالمرآة لأخيه يرى فيها عيوب نفسه فيصلحها، وتقصيره فيكمله، وهكذا. كان سلفنا الصالح -رضي الله عنهم- يتناصحون فيما بينهم، ويقبلون النصيحة من دون غضاضة أو امتعاض من تقبل النصح من أي أحد كان، وكانوا يحذرون أشد التحذير من رد النصيحة أو عدم تقبلها، قال ابن مسعود -رضي الله عنه- في تفسير قوله تعالى: «وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم»، أي هو الرجل ينصح أخاه فيقول ردا عليه: عليك نفسك، عنادا منه وجحودا، أو يقول له: مثلك لا ينصحني، تكبرا منه واستعلاءً!! والنصح يكون لكل أحد من الناس؛ فليس هناك من معصوم عن الخطأ سوى المعصوم صلى الله عليه وسلم، أما غيره فتوجه إليهم النصيحة، وإن من أهم مَن يوجه إليهم النصح هم وُلاة أمر المسلمين من الحُكَّام والقادة والمسؤولين، وليست النصيحة لهم بشائنة، ولا بالنقيصة العائبة، وهي ثابتة بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة)، وتكون النَّصيحة لهم بإعانتهم على الحق، وطاعتهم في طاعة الله، وجمع الكلمة عليهم ما داموا قائمين بأمر الله، وإبداء الرأي السديد والنصح الأمين، مما فيه مصلحة لم يتنبه أو يفطن لها من قبلهم. وكان لسلفنا الصالح رضوان الله عليهم مواقف عظيمة عديدة في النصح والنقد البناء للولاة والخاصة والعامة. دخل سفيان الثوري -رحمه الله تعالى- على الخليفة المهدي فنصحه وأغلظ له في القول، فقال له وزير المهدي: أتُكلم أمير المؤمنين بمثل هذا؟ فقال له سفيان: اسكت ما أهلك فرعون إلا هامان، أي لا يهلك الولاة إلا بطانة السوء المجملة للباطل في تملق ومداهنة!؟ وعلى هذا كان اهتمام الإسلام بالنصيحة، فبالنصيحة الصادقة المخلصة من البطانة الصالحة تستقيم الدول وتنهض الأمم وتستقر. وقد كان للشعب البحريني المحب لوطنه وقيادته مواقف ناصحة مشرفة على مدى تاريخه، ومن هذه المواقف المشهودة تلبيته لواجب الانتخابات النيابية والبلدية، حيث خرج برجاله ونسائه، بشيبه وشبابه ممن لهم حق التصويت؛ فأدى فيه واجبه على أحسن وجه وأكمل صورة، فبرز بذلكم المظهر الحضاري، مؤكدا الوعي الشعبي الذي أشارت إليه نسبة المشاركة العالية في الانتخابات، والتي أسعدت الأصدقاء المحبين، وأتعست الأعداء المتربصين. فالشكر والتقدير والثناء الجميل لهذا الشعب المخلص الأبي، الذي يثبت في مواقفه الوطنية أنه على العهد باق لا يتخلف أبدا عن أداء واجبه تجاه قيادته ووطنه وأمته. إن هذا الشعب ليتطلع إلى الأيام الأجمل، والمستقبل الأفضل لهذا الوطن، وقد بدا ذلك في مسارعته إلى العمل الجاد من أجل تحقيق كل التطلعات والاستحقاقات التي جاء بها المشروع الإصلاحي لجلالة الملك (حفظه الله تعالى). وإن الحرية من استحقاقات هذا المشروع، وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير؛ وذلك وفقا لما كفله الدستور في المادة (23) والتي نصت على أن: «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقـًا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، مع عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب، وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية». ولنكن صادقين ولنقل إننا كنا جميعا ننتظر تغييرا واسعا في التشكيل الوزاري الأخير يطول عددا من الوزراء، فقد كانت التوقعات كبيرة لدى معظم المواطنين، وجاءت هذه الآمال في التغيير بحسب ما أكده جلالة الملك في تصريحه الكريم الذي أوردته وكالة أنباء البحرين بتاريخ (4/2/2006)، والذي جاء فيه ما نصه: «لقد انتهى الزمن الذي يجلس فيه الوزير بالوزارة (20 سنة) فأكثر.. وإنه يجب أن تكون مدة بقاء الوزير في الوزارة (4 سنوات) فقط، ويمكن أن تمدد (4 سنوات) أخرى كحد أقصى.. وأن الوزير الذي يبقى في الوزارة (8 سنوات) هو الوزير الخارق، فلا يوجد أي إنسان هو الوحيد على هذه الأرض. ولهذا كانت التوقعات في كل تشكيل وزاري، وبخاصة أن بعض الوزراء قد تجاوزوا في وزاراتهم السنوات الخارقة.. فهل يلام من قال من المواطنين بخيبة آماله في التشكيل الوزاري؟ نعم كانت كل التوقعات والآمال تشي بأن تدخل التشكيل الوزاري دماء جديدة كفؤة تتحمل المسؤولية، وتقدم رؤى تتواكب والتطورات المتلاحقة، والحركة المتسارعة في عالم اليوم المتجدد. وإننا لا نعتقد في قيادتنا إلا الرؤية الثاقبة والحكمة الراشدة في مراعاة صدق المواطنين فيما يطرحون من آراء وما يتطلعون إليه من أمنيات طيبة تجاه الوطن وتطلعاته، ولذلك فإننا على ثقة ويقين بأنه لن تلقي القيادة بالا أو تلتفت إلى كلام واش يشي بأي مواطن محب لوطنه أبدى رأيه وعبّر عنه بأي تعبير مشروع بأنه تعدى أو تجاوز الحرية المشروعة المنصوص عليها في المادة الدستورية المشار إليها وغيرها من المواد الدستورية، وبخاصة أننا في دولة الحريات المنضبطة بالدستور، فمن عبَّر عن رأيه فيما كان من التشكيل الوزاري فلا بأس عليه ولا ملامة. ولذلك يمكننا القول بكل حرية إن التعبير بالخيبة أو عدم تحقق التغيير المأمول لا يعدُّ من الممنوعات المحرمة، ولا من العصيان لولاة الأمر، ولا من التحريض على الدولة، كما جاء بأحد المقالات، فجاء كلامه عاما على كل من عبر عما ذكرنا ملصقا بهم اتهاماته الباطلة، وتحريضه عليهم من دون استثناء، في مخالفة صريحة للدستور وما أعطاه للمواطنين من حرية الرأي والتعبير، وكذلك ما تضمنه المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، والذي من أهم مبادئه كفالة الحريات المشروعة الواجبة للمواطنين، ما يجعل كلامه الآتي مردودا عليه جملة ومرفوضا منه تفصيلا، وهذا نص كلامه التحريضي: «اللافت في الأمر أن عناصر محددة، جزء منها في فضاء التواصل الاجتماعي، وجزء آخر في وسائل الإعلام المحلية المقروءة، راح يهاجم التشكيل الوزاري بشكل فج، وانتقل سريعًا إلى التحريض علنًا، من خلال ترويج المزاعم الجوفاء التي تدعي أن التشكيل الوزاري الأخير لا يحقق تطلعات «الشعب»، أو أنه -كما وصفه بعض المؤدلجين المعروفين- جاء «مخيبًا للآمال»! إنه محض تطاول وتجرؤ على اختيار وقرار جلالة ملك البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، فهو السلطة الوحيدة المختصة بإصدار مراسيم تعيين الوزراء في الحكومة. يريد البعض من هؤلاء أن يوهم المجتمع، وأن يخدع الناس، وأن يصور لهم أنه يفهم ويفقه في تعيين الوزراء، وحتى في اختيار أعضاء مجلس الشورى، أكثر من أهل الاختصاص! وهو بذلك -أي هذا البعض- يزج بالناس البسطاء في أتون نقاش تحريضي على الدولة، من أجل نشر التذمر والضجر والسخط على كل شيء، ويخفي عليهم أن المسألة وما فيها هي أن التعيينات، سواء الوزارية أو الشورية، وحتى خيارات الناس الانتخابية التي أفرزت التشكيلة البرلمانية الأخيرة، لا تخدم المصالح والطموحات الحزبية والإقصائية الضيقة التي يسعى إليها». (انتهى كلامه). إن هذا التحريض والتخوين لكل من أبدى وجهة نظره ورأيه لا يخرج أبدا عما كفله دستور المملكة، فما المشكلة التي يعاني منها البعض؟ لقد تجرد في كلامه عن مسؤولية صدق الكلمة بغية تصوير آراء الآخرين التي عبروا فيها عن وجهة نظرهم وآمالهم المشروعة المباحة على أنها هجوم على التشكيل الوزاري الأخير.. وأنها تطاول وتجرؤ على اختيار وقرار جلالة الملك.. وأن البعض يوهم ويخدع الناس بتحريضهم على الدولة! إن هذا المكر الشيطاني، وهذا الخداع المشوب بالتملق والتزلف والمداهنة لا يمكن أن ترتضيه أو تقبله لا القيادة الحكيمة الرشيدة، ولا الشعب البحريني المخلص الواعي المحب لقيادته ووطنه!!.. يقول تعالى: «اسْتِكْبَارًا فِي الأرض وَمَكْرَ السَّيئِ ولا يحِيقُ الْمَكْرُ السَّيئُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ ينظُرُونَ إِلا سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا».
مشاركة :