يقول السياسي "هربرت شيللر" ( إن الإستعلام عن رأى الفئات الإجتماعية المختلفة لأى سبب كان إنما يدل على النوايا الأصلية للجهة التى تجرى الإستفتاء فضلًا عن أنه ينطوى ضمنًا على وعد بعمل ما فى المستقبل ) ، هذا ما يفسر لنا رد فعل وزارة الخارجية على إستطلاع الرأى الذى قامت به قناة "روسيا اليوم" وتضمن التصويت على مصرية أو سودانية مثلث حلايب ، والذى دفع القناة إلى حذف الإستطلاع و الإعتذار رسميًا للحكومة المصرية ودفعنا إلى الغوص فى تاريخ إستطلاعات الرأى تلك الصناعة الأمريكية الإجتماعية السياسية التى كانت سببًا فى تفوق أمريكا فى حربها الباردة ضد روسيا ، حيث نجد أن منظمات إستطلاعات الرأى هى تابعة للمؤسسات السياسية الحكومية كما تطلع "هادلى كانترل" فى كتابه "البعد الانسانى تجارب بحوث السياسة" بالقول ( كيف يمكن بسهولة تامة إنشاء شركات لأبحاث إستطلاع الآراء معفاة من الضرائب ، وغير مستهدفة للربح بأموال الحكومة أو المؤسسات الوقفية ؟ ) ، وقد تحقق لـ "هادلى كانترل" ما تمناه حيث تم إنشاء أربع شركات لأبحاث إستطلاع الرأى هى الشركة الأمريكية للإستطلاعات الإجتماعية ، و الجمعية المتحدة للأبحاث ، و معهد البحوث الإجتماعية الدولية ، وقد تم تمويل هذه الشركات من جهات تابعة للحكومة الأمريكية وعلى رأسها وزارة الخارجية ، و هذا ما يفسر لنا نوايا إستطلاع الرأى الذى يعتمد فى مساره ونتائجه على أهداف الممول للإستطلاع والذى يرتبط بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالمؤسسات و الأجهزة الأمنية التابعة لها.ولا يمكن فصل إستطلاع قناة "روسيا اليوم" و أى نوع اخر من الإستطلاعات عن الحرب التى تستهدف الدولة المصرية وتأخذ أشكال متعددة ، فمراكز إستطلاع الرأى دائمًا و أبدًا تمتلك علاقات حميمة مع حكومات الدول الكبرى مثل شركة "سيملما تكس" التى مقرها نيويورك و التى تولت تنظيم مجموعة من إستطلاعات الرأى و الأبحاث عن الحرب الفيتنامية لحساب وزارة الدفاع الأمريكية ، ومثال اخر منظمة "جالوب لإستطلاعات الآراء" و التى تمتلك عشرات المكاتب على مستوى العالم والتى تتولى عملية تحليل منهجية مدققة للآراء فى الدول الخارجية بما تفيد صناع القرار داخل الإدارة الأمريكية ، كما تتحدث الروايات عن إجتماع فى إبريل من عام 1969 لممثلى مكاتب هذه المنظمة من ست وعشرين دولة بسويسرا لمناقشة الحالة النفسية للشعوب داخل هذه الدول.وأثمن رد فعل الحكومة المصرية ممثلة فى وزراة الخارجية بالإضافة إلى المؤسسات الأخرى كالبرلمان و الهيئة العامة للإستعلامات و الذى يدل على مدى وعى المؤسسات الحكومية بما يحاك من مخططات تستهدف مصر وأمنها القومى ، ويؤكد الحس الأمنى الذى لا يتقبل مجرد إستطلاع رأى لمؤسسة إعلامية قد يرى السياسي العادى أنه قد لا يستدعى رد الفعل هذا ، ولكن السياسي الذى ينظر بنظارة الأمن القومى يدرك أن هذا الإستطلاع هو ناقوس يدق أجراس الخطر على بوابة شــر تستهدف النَيل من وحدة الأراضى المصرية و يزرع فتنة بين مصر والسودان .هــكذا ندرك أن إستطلاع الرأى إختراع إجتماعى لا يمكن فصله عن المؤسسات السياسية ، مهما حاول أصحابه وصفه بالحيادية أو الموضوعية ، فهو أداة تخدم أهدافا سياسية لا تتسم هذه الأهداف بالوضوح ، و يجب على مؤسساتنا الوطنية إستخدام هذا النوع من الأبحاث و إستطلاعات الرأى لتوضيح صورة الداخل ومدى وعــى المواطن بالقضايا القومية للخارج المتربص .
مشاركة :