عرش مصر منذ فجر التاريخ له قدسيته، سواء كانت مصر حـــرة أو محتلة.. فموقعها الحضارى والتاريخى والجغرافى الفريد بل الوحيد بين دول العالم جعل قائدها دائمًا فى مواجهة الحقد الداخلى والخارجى ولا يسلم من المعارضة الحاقدة والكارهة ، فرئيس مصر أو أميرها أو سلطانها أو مقوقسها له مكانة بين الزعماء بصرف النظر عن إنجازاته وما تحقق فى عهده، فعرش مصر يفرض على من يجلس عليه الكثير والكثير. ولا مثال أوضح من حاكم مصر فى ظــل الحكم الرومانى "المقوقس" الذى أرسل له رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ "حاطب بن أبي بلتعة " يدعوه للإسلام ، فاستقبله حاكم مصر خير استقبال وحمله بالهدايا منها السيدة ماريا القبطية زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والسيدة سيرين التى تزوجها حسان بن ثابت رضى الله عنه ، فكان حاكم مصر الوحيد من بين الملوك والأمراء الذين راسلهم الرسول صلى الله عليه وسلم الذى كان رده ردًا دبلوماسيًا لا استعلاء ولا كراهية كما فعل ملوك الفرس والروم ، ولا تردد كما فعل ملك الحبشة ، لأن حُكم مصر يفرض عليه الكثير فاللقب الذى أطلقه الرومان على والى مصر التابع لهم وهو "المقوقس" والذى يعنى المبجل او صاحب السمو ، لم يطلق على أى حاكم آخـــر فى أى مستعمرة أخـــرى لهم ، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل لملك الروم ولم يرسل إلى ولاية أخـــرى تابعة لهم غير مصر، لمكانتها فى قلب رسول الله الذى قبل الهدية وأوصى المسلمين بأقباطها وأخبرهم بسر جندها خير أجناد الأرض .وتأتى هيبة عرش مصر من هيبة وعظمة مصر وشعبها ، التى شهد لها الأعداء قبل الأشقاء ومنها قول "ليبنـــتز" للمـــلك "لويس الرابع عشر" (لا يوجد بين أجزاء الأرض جميعًا بلد يمكن التسلط منه على العالم كله وعلى بحار الدنيا بأسرها غير مصر) ، أو كما يراها الدكتور "جمال حمدان" بأنها مركز ثقل المنطقة وصمام أمانها ، فمصر دائمًا مركز دائرة قوة قلت أو كبرت ضاقت أو اتسعت فمصر كانت وباستمرار قطب قوة وقلب إقليم ، حتى وهــى مستعمرة محتلة ، ومهما كانت أوضاعها الداخلية ، ولم تكن أبدًا على هامش دائرة ونادرًا ما انزلقت إلى القوة البينية بدلًا من مركز القوة ، ونعنى هنا بالدائرة العربية أو الإسلامية أو الإفريقية أو المتوسطية أو الدولية ، فدائمًا مصر قلب أى دائرة ترسم وتنضم إليها ، وتكمن عظمة مصر فى موقعها الجغرافى المنفرد وموقعها التراثى والثقافى والحضارى المميز ، أى أن عظمة مصر تفرض هيبتها على حاكمها ، وهى التى تتحكم فى ردود فعله وقراراته، ومنها خروج الملك فاروق من مصر بعد ثورة يوليو فى أمان دون أراقة للدماء ، وبعدها خروج الرئيس محمد حسنى مبارك من السلطة بعد أحداث يناير سالمًا فى حماية الشعب قبل الجيش ولم يخرج هاربًا كرئيس تونس ، ولم يُقتل كرئيس ليبيا ، ولم يتحالف ضد بلاده كرئيس اليمن ولم يوجه سلاحه نحو شعبه كرئيس سوريا ، بل لأنه حاكم مصر فكان خروجه مشرفا لشعبه الحضارى.وبالأمس القريب عندما يتحدث الرئيس السيسى كمرشح لفترة رئاسية ثانية برغم إنجازاته التى تكسو الخريطة المصرية يقول إنه لن يسمح أن يحكم مصر فاسد، ما يدل على عظم المسئولية التى ألقاها الشعب على عاتقه فى ظروف استثنائية ، تجعله يحافظ على عرش مصر ليكون فى أيد أمينة لأنها أمانة فى عنقه وأعناق شعب مصر.
مشاركة :