في ذلك المجتمع العربي الجاهلي لم يكن الرجل يفكر كثيرًا في إسعاد زوجته بجماله وتطييب جسمه وملابسه، فقد كان يعتقد أن هذا مناف للرجولة، فالرجل يجب أن يكون منفوش الرأس واللحية، وربما قذر الملابس تطير منها رائحة العفن وما إلى ذلك. ولكن بعد بضع سنوات من ذلك قال البيهقي في سننه الكبرى إن ابن عباس رضي الله عنه كان يقول «إني أحب أن أتزين لامرأتي، كما أحب أن تتزين لي المرأة، لأن الله تعالى يقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، وما أحب أن أستنطف كل حقي الذي لي عليها فتستوجب حقها الذي لها علي، لأن الله تعالى يقول: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةٌ)». ما الذي تغير؟ ويذكر أيضًا أنه قد دخل على أمير المؤمنين عمر (رضي الله عنه) زوج أشعث أغبر ومعه امرأته وهي تقول: لا أنا ولا هذا؛ أي لا تريده، لا أنا ولا هذا، فعرف الفاروق رضي الله عنه كراهية المرأة لزوجها، فأرسل الزوج ليستحم ويأخذ من شعر رأسه ويقلم أظافره، فلما حضر أمره أن يتقدم من زوجته فاستغربته ونفرت منه ثم عرفته فقبلت به ورجعت عن دعواها، وتراجعت عن طلب الطلاق، فقال عمر الفاروق رضي الله عنه: «وهكذا فاصنعوا لهن، فوالله إنهن ليحببن أن تتزينوا لهن كما تحبون أن يتزين لكم». ما الذي تغير؟ قال يحيى بن عبدالرحمن الحنظلي: أتيت محمدا بن الحنفية [وهو أحد أبناء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمه خولة بنت جعفر الحنفية] فخرج إليَّ في ملحفة حمراء ولحيته تقطر من الغالية، [والغالية هي خليط الأطياب بل خليط أفضل الأطياب]، يقول يحيى فقلت له: ما هذا؟ قال محمد: إن هذه الملحفة ألقتها على امرأتي ودهنتني بالطيب وإنهن يشتهين منا ما نشتهيه منهن، ذكر ذلك القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن. إذن، فالمرأة تريد من الرجل كما يريد الرجل منها في التجمل والتزين، فمن أين تعلم العرب بعد خروجهم من الجاهلية كل هذا الفن؟ عن شريح بن هانئ رضي الله عنه قال، سألت عائشة: «بأي شيء كان يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟» قالت: بالسواك. رواه مسلم، لماذا كان يبدأ صلى الله عليه وسلم بالسواك قبيل دخوله البيت؟ ذلك من أجل إزاله بقايا طعام أو روائح لصقت بالفم، بهدف ألا تشتم منه زوجته أي نوع من الروائح غير المرغوبة عندما يقدم على تقبيلها. وعن عائشة رضي الله عنها أيضًا قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه حين يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت، رواه البخاري. إذن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطيب ويتجمل. وتروي الروايات أن عروة بن الزبير قال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا: بِأَي شَيءٍ طَيبْتِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ حُرْمِهِ؟ قَالَتْ: «بِأَطْيبِ الطِّيبِ»، أو «بأطيب ما أجد». رواه البخاري. وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا قالَتْ: كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأسَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا حَائِضٌ. رواه البخاري، بمعنى أنها رضي الله عنها كانت تسرح شعره صلى الله عليه وسلم، وقال بعض العلماء [أبو حذافة عنه عن هشام] أنها كانت تغسل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مجاور في المسجد وهي حائض يخرجه إليها، أخرجه الدار قطني. وعن عمرة بنت عبدالرحمن أن عائشة رضي الله عنها قالت: وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفًا، رواه البخاري. وغدًا نكمل إن شاء الله موضوع التجمل وطلب التزين. Zkhunji@hotmail.com
مشاركة :