في هذه المملكة الصغيرة التي تعرف بالبيت، توجد ملكة وهي ربة البيت، هي المرأة التي أوصنا الله سبحانه وتعالى بها حينما قال في سورة النساء – الآية 19 (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف)، وفسرها ابن كثير بقوله: «أي طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)». إن كان هذا أمرا إلهيا، فلماذا تُضرب المرأة؟ وبهذا الأمر الإلهي عاش رسولنا العظيم عليه أفضل الصلاة والتسليم، على الرغم من كل تلك الجاهلية التي تحيط به، عاش وتعايش بهذا السمو في الأخلاق، ففي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قطُّ بيده، ولا امرأةً، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قطُّ فينتقم من صاحبه إلا أن يُنتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله تعالى»، رواه مسلم. إنه أسمى وأنبل من أن يمد يده الشريفة على زوجته أيًا ما كانت، كيف لا وهو القائل «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»، رواة الترمذي عن عائشة رضي الله عنها وصححه الألباني. وقد ثبت في كتب السنة النبوية عن الصحابي الجليل النعمان بن بشير رضي الله عنه، ولفظه: «اسْتَأْذَنَ أبو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ عَالِيًا، فَلَمَّا دَخَلَ تَنَاوَلَهَا لِيَلْطِمَهَا، وَقَالَ: أَلَا أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْجِزُهُ، وَخَرَجَ أبو بَكْرٍ مُغْضَبًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ أبو بَكْرٍ: كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ؟ قَالَ: فَمَكَثَ أبو بَكْرٍ أَيَّامًا، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَهُمَا قَدِ اصْطَلَحَا، فَقَالَ لَهُمَا: أَدْخِلَانِي فِي سِلْمِكُمَا، كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ فَعَلْنَا، قَدْ فَعَلْنَا». رواه أحمد. تخيل معي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها غاضبة بسبب أو بأخر، وهي رافعة صوتها تحاول أن تنفس عن غضبها، فيدخل عليها الصديق رضي الله عنه والدها، فيغضب لأنها رفعت صوتها على نبي الأمة صلى الله عليه وسلم، ويهم بلطمها، ولكنه صلى الله عليه وسلم يمنعه مع أن من حق الأب أن يربي ابنته، إلا أنه صلى الله عليه وسلم يتدخل ليمنع الصديق رضي الله عنه من ذلك، فيخرج، والقصة لم تنتهِ بعد، وإنما يذهب صلى الله عليه وسلم إليها ويلاطفها ويحاول أن يراضيها بقوله «كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ؟». وفي الحديث الطويل الذي دار بين عبدالله بن عباس وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما يمكننا أن نستقطع هذا الجزء منه، يقول عمر»... وكنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصخبت على امرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني [أي: تراددني وتحاجني وتناظرني وتناقشني فيما أريد]، قالت: ولم تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل، فأفزعني ذلك، وقلت لها: قد خاب من فعل ذلك منهن، ثم جمعت علي ثيابي فنزلت فدخلت على حفصة، فقلت لها: أي حفصة أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل، قالت: نعم، فقلت: قد خبت وخسرت أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فتهلكي...». كان صلى الله عليه وسلم يسمع ويحاور ويناقش زوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، وربما يختلفن معه عندما يبدين بعض الآراء، ولكنه لم يضربهن، ولم يسخط عليهن، ولم يسكتهن، ولم يقل لهن – على الرغم من ذلك المجتمع الجاهلي – هذا ليس من حقكن ولا شأنكن، أو أنا النبي ولي كل الحق أن أقول وأن أفعل، صلى الله عليه وسلم، وربما هنا لا نشجع على قلة الأدب والخروج عن الأخلاق العامة بين الزوج والزوجة ولكن نستشهد بأقواله وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم، في أدب المعاملة بين الزوجين، فهي لها حق وهو له حق، وكل يأخذ حقه ولكن بأدب وذوق وحوار وحسن المعاملة. وفي البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فإن ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَا، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا»، وهذا لا ينقص من شأن المرأة شيئًا إذ إن طبيعة المرأة الرقة واللين، لذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي بالتعامل معها كما يتم التعامل مع الشيء الأعوج، فإن اعوجاجها في بعض الأمور مقبول بل ومطلوب، وأنه لا ينبغي أن نحاول أن نغيرها لتغير طبيعتها لتصبح مثل الرجل، فهي تختلف عن الرجل فلينها ورقتها ودلالها وكل ما فيها مطلوب وليس فيه كراهة، لذلك يجب أن نقبل المرأة كما هي، لأنها بطبيعتها جميلة. هكذا بكل أدب وحسن معاملة كان يعامل زوجاته، كما قلنا إنهن تسع زوجات رضي الله عنهن ولكل واحدة منها طبع ومزاج وخُلق وتطبع، وعلى الرغم من ذلك استطاع أن يتعامل معهن كلهن بحسن السلوك والمزايا. Zkhunji@hotmail.com
مشاركة :