التشاؤم أم التفاؤل؟

  • 7/26/2018
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

لا شك في أن التفاؤل يجلب راحة البال والاطمئنان، بينما يجلب التشاؤم القلق والغم. فهل هذا يعني أن نصد التوقعات السلبية ونركز فقط على التوقعات الإيجابية؟ ربما، ولكن عندئذٍ سنعرض أنفسنا لأهواء الأحداث السلبية، إن تحققت، من دون أي استعداد أو تأهب لها. اشتهر قبل حوالي عشر سنوات كتاب عنوانه «البجعة السوداء» The Black Swan الذي طرح فكرة أصبحت دارجة وقريبة من النظرية. وتسمية الفكرة بالبجعة السوداء هي أنها تمثل طائراً نادراً جداً، لا أحد يتوقع أن يشاهده، وعليه تتلخص فكرة الكتاب في أن معظم التغيرات الجوهرية في التاريخ البشري من حضارات وإمبراطوريات بدأت نتيجة لحادثة ظهور «بجعة سوداء» غير متوقعة. أي حدثت تغيرات جوهرية غير متوقعة. ويطرح هذا الكتاب مثالاً توضيحياً طريفاً، إذ يشبه حادثة البجعة السوداء بوضع سرب من طيور الديكة الرومي Turkeys التي تعودت على المزارع الذي يعتني بها ويطعمها يومياً، واطمأنت له تماماً وأحبته لدرجة أنها تركض نحوه حالما تراه أو تسمع صوته. وثم، بعد سنة، في يوم أغبر بالنسبة لها (وهو يوم عيد الشكر الأميركي) تفاجأ وبهلع، أن حبيبها هو جزارها الذي ينحرها ويبيعها للمحتفلين بالعيد. ويمكن ضرب نفس المثال على الخراف التي تعيش في رغد في كنف مربيها وتتبعه بسعادة أينما ذهب، ثم تكتشف صباح يوم عيد الأضحى بأنه قاتلها. وفي كتاب آخر شهير ظهر قبل حوالي خمس سنوات بعنوان «لماذا تفشل الأمم» Why Nations Fail، طرح مؤلفاه نظرية مشابهة لحد ما ولكن مدعمة بتفاصيل وأمثلة وحقائق تاريخية كثيرة توضح العوامل المشتركة بين الأمم الفاشلة عبر التاريخ. والمهم هنا، هو أن المؤلفين كذلك يطرحان وجود أحداث أو مراحل مفصلية مصيرية Critical junctures يتقرر عندها مدى احتمال نجاح وتطور الأمم، أو فشلها واندحارها. فإذا أتت هذه المراحل المصيرية من دون أن تتداركها الأمم الفاشلة، بقيت كذلك بل ربما ازدادت تدهوراً وتحولت إلى مستعمرات تعيسة لا مستقبل لها. لذلك نميل إلى المقولة القائلة «الاستعداد والتحوط أفضل من الأسف على الضياع» Better safe than sorry. فوجود علامات ارشادية وتحذيرية في الطرقات لا يعني أن إدارة الطرق متشائمة وتتوقع أنك ستصطدم بالسيارة القادمة من الاتجاه المقابل في شارع ذي حارتين متعاكستين، أو أنك ستنزلق لتسقط في الوادي عند إشارة «أمامك كوع حاد» على طريق جبلي، أو غيرها من الإشارات. فهي تنبهك إلى الاحتمالات والمخاطر الموجودة أمامك من باب حبها لك وحرصها على سلامتك. فأول وأهم هدف في الحياة هو البقاء، أي عدم السقوط ضحية للكوارث والأمراض والأعداء والمصائب إلخ. فإذا نجحت بذلك، توافرت لك الفرصة (الوقت) لتحقيق جميع الأهداف الأخرى، والعكس صحيح. وأول خطوة في محاولة البقاء هي البحث عما يمكن ان يؤثر سلبا عليه. ثم تحليل هذه المؤثرات ومحاولة تحديد أسبابها وأساليب مقاومتها، أو على الأقل كيفية تحاشيها أو تخفيف أثرها الضار. قد يكتفي البعض بالوضع القائم ويدعو الى عدم تغير الأحوال. وهذا لا يعبر عن قناعة بقدر ما يشير إلى ضعف القدرة على تخيل ما هو أفضل والعمل نحوه، وهذا مشابه لوضع الخراف والديكة الرومي في المثالين السابقين. فطبيعة وسنة الحياة هي التغير – إلى الأحسن أو الأسوأ. والاكتفاء بالرؤى المتفائلة وتجاهل الرؤى المتشائمة، لا يعكسان سعادة بقدر ما يعكسان عدم اكتراث. فقد تبدو الأغنية الشهيرة «لا تقلق، كن سعيداً» Don,t worry, be happy متفقة مع آراء البعض تجاه الحياة، ولكن لنسمع بقية أبيات القصيدة القائلة: «لا تقلق وكن سعيدا حتى لو تم احتلال سريرك وما عاد لديك مرقد رأس، ولو هددك مالك العمارة بالطرد لعدم دفع الإيجار، ولو كنت مفلسا لا تستطيع التمتع بالطيبات. فلا تقلق لأنك ستزعج وتقلق الآخرين»! ربما يمكن اعتبار هذه فلسفة حياة فردية واختيارا شخصيا للسعادة وراحة البال، ولكن أن نطبقها على المجتمع ككل، فذلك أقرب إلى اللامبالاة والتقصير المتهور. فالمجتمعات مكونة من أعداد كبيرة من البشر لديهم أمانٍ وخيارات مختلفة ومتنوعة، وقد لا يتفقون مع فلسفة الفراشة الفردية السعيدة. إلا أنهم جميعا متفقون على مبدأ البقاء وتحاشي الكوارث والمصائب والسلبيات، وهذا يتطلب توسعة الصدور وفتح الأذان للتوقعات المتشائمة (بالإضافة للمتفائلة) لكي لا يقعوا في مطب الخروف والديك الرومي. مروان سلامة msalamah@cckw.com

مشاركة :