الناس هم التفاؤل والدولة هي التشاؤم ـ

  • 1/29/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بحبوحة طبقة اجتماعية واحدة لا تعكس صحة المجتمع اللبناني بل تؤكد اعتلاله. ولازمة التطمينات الرتيبة عن الأمن والاقتصاد والاستقرار التي يكررها المسؤولون مؤشر ضعف لا مؤشر ثقة. إنها استراتيجية التسكين الإعلامي لتغطية العجز السياسي. أبعد من هذا العهد أو ذاك، ومن هذه الحكومة أو تلك، أليس غريبا سلوك اللبنانيين اللامبالي اجتماعيا والانهزامي سياسيا؟ إن ما يجري منذ سنوات لا يصب في مشروع بناء الدولة ولا في مشروع تقدم الشعب اللبناني، وكأن مسار التجربة اللبنانية التحق بالمسار العربي المتقهقر. سنة 1920، بعد جولة في تركيا والشرق الأوسط، كتب أرنولد توينبي أحد كبار مؤرخي القرن الماضي: "لست واثقا من أن اتجاه تاريخ هذه المنطقة سيلتقي مع تقدم الإنسانية، ولا أجد مبررا لتفاؤل بعض النخب". يصطدم التحليل السياسي، ببعديه التاريخي والرؤيوي، بميل الناس إلى القبول بالمعالجات الآنية لمشاكلها على حساب الحلول الطويلة الأمد. مع الوقت، يتطبع الناس مع الأمر الواقع، بينما المحلل يتمرد عليه فيختلف عن هوى الناس المستكفين. كأن واجب المحلل أن يتشاءم ويحذر، وحق الناس أن يتفاءلوا ويقدموا. هذا الواقع النفسي والاجتماعي يجعل المحلل نقيض عدمية الحاضر ويوسم بالسلبية. إن الصيغة الفضلى هي التوفيق بين حكمة المتشائم وإرادة المتفائل. الناس في لبنان ليسوا ضد الطروحات السيادية والمعالجات الجذرية، لكنهم يستهولونها خشية حدوث اضطرابات تؤثر على حياتهم اليومية. الناس تحب البحار وتخاف الأمواج العاتية. وأصلا، قلما عرف التاريخ ثورة شعبية من دون قيادة محركة. كان جورج كليمنصو، رئيس وزراء فرنسا في بدايات القرن الماضي، يعتبر المسالمين خياليين خطيرين ومسؤولين عن وقوع الحروب والهزائم، لأن نظرتهم الوردية إلى "واقع الحال" تضرب معنويات الأمة وتحطم طموحاتها. وانتقد كليمنصو بقساوة جان جوريس، البرلماني الاشتراكي المسالم المتفائل الذي عارض دخول فرنسا الحرب العالمية الأولى، وقال عنه بعد وفاته: "لو كان جوريس رئيس وزراء سنة 1914 لاجتاح الألمان فرنسا". مصدر التفاؤل الأساسي في لبنان هو أمل الناس بالحياة، لا عمل الدولة للناس. في حياتهم الخاصة يكتفي الناس بالملذات الصغيرة يراكمونها لتؤلف سعادة، أما في حياتهم الوطنية فينشدون إنجازات لتحمي مصيرهم. حياتنا اليومية زاخرة بالبشر: عيون أولادنا، إبداعات شبابنا وشباتنا، كد العامل وكدح الفلاح، تعب المزارع وصراع البحار، عناد شعبنا ومقاومته، انتشار المغتربين وإسهاماتهم في تقدم العلم والعالم، صمود اقتصادنا وعملتنا الوطنية، حركة مطارنا ومرافئنا، نشاط المجتمع والناس عموما، إلخ. لكن جميع هذه الإيجابيات تحتاج إلى "الاستقرار المصيري". وينقصها ملح الدولة: هو مفقود وهي غائبة، وكلما تدخلت أفسدت وهيمنت وأقلقت. عادة، الشعب يخلق مشاكل للدولة، أما في لبنان، فالدولة تخلق مشاكل للشعب. من يدلني على يوم واحد، بما فيه أيام الآحاد والأعياد، مر من دون اشتباك بين أركان الدولة؟ ورغم ذلك، في الانتخابات المفترضة، سنفتديهم "بالروح والدم"... وبالغاز والنفط. ليس اللبنانيون متشائمين أو متفائلين، إنهم مازوشيون. افتحوا "المنجد"... أصلا، نحتاج إلى منجد.   سجعان القزي نائب رئيس حزب الكتائب اللبنانية ووزير العمل

مشاركة :