مزج اليابان بين الذكاء الاصطناعي وصناعة الروبوتات ربما يحمل الإجابة عن الانكماش السريع لقوة العمل لديها، لكن هل تكون هذه أنباء طيبة أم سيئة للعمالة البشرية؟ في الوقت الذي ستقضي فيه الأتمتة على عدد قليل جدا من الوظائف نهائيا في العقود المقبلة، فمن المرجح أن يكون لها تأثير في نسب من كل الوظائف تقريبا بدرجة ما - اعتمادا على نوع العمل والمهام المتعلقة بها. وإذ أعدت للتحرك فيما يتجاوز الأنشطة الروتينية وأنشطة التصنيع المتكرر، فإن الأتمتة لديها الإمكانية لتظهر في مدى أرحب كثيرا من الأنشطة مما هو مرئي حتى الآن، ولتعيد تعريف العمل البشري وأسلوب العمل في مجال الخدمات والقطاعات الأخرى. وفي اليابان، إيجاد التراجع السريع في قوة العمل والتدفق المحدود للمهاجرين حافز قوي للأتمتة، وهو ما يجعل البلد مختبرا مفيدا على نحو خاص لدراسة الآفاق المستقبلية للعمل. عمل زائل لقد تراجعت تقديرات عدد سكان اليابان برقم قياسي بلغ 264 ألف نسمة في عام 2017. وحاليا يفوق عدد الوفيات عدد المواليد بمعدل يبلغ ألف شخص يوميا. فمنطقة توهوكو في شمال اليابان، على سبيل المثال، فيها الآن سكان أقل مما كان عليه الحال في عام 1950. وقد ظل معدل المواليد في اليابان لوقت طويل أقل على نحو كبير من معدل 2.1 مولود لكل امرأة اللازم لاستدامة النمو - يقف الآن عند معدل 1.4 مولود لكل امرأة - وخلافا لعديد من الاقتصادات المتقدمة الأخرى، فإن الهجرة لا تكفي لسد الفجوة. وقرابة ثلث المواطنين اليابانيين كانوا أكبر من 65 عاما في 2015 - ويشير بحث من المعهد الوطني لبحوث للسكان والأمن الاجتماعي إلى أن هذا الرقم سيرتفع إلى قرابة 40 في المائة بحلول عام 2050. وأصدرت شعبة السكان في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة تقريرا لليابان أظهر أن سكان البلد سيهبطون إلى دون 100 مليون بعد حلول منتصف القرن الـ 21 بقليل. وبنهاية القرن، ستكون اليابان جاهزة لفقد 34 في المائة من سكانها الحاليين. ومن المتوقع أن تتراجع قوة العمل المحلية اليابانية "هؤلاء الذين بين عمر 15 و64" على نحو أسرع حتى من إجمالي السكان، لتفقد نحو 24 مليونا بين الآن وعام 2050. وفي ظل عدم احتمال زيادة الهجرة بما يكفي لتعويض هذا التراجع الحاد في أي وقت قريب، فإن اليابان تواجه آفاقا ضبابية فيما يخص الإنتاجية، والناتج المحتمل، ونمو الدخل. صنع في اليابان إن اليابان ليست غريبة على التعامل مع الموارد المحدودة - بما في ذلك العمالة - وكانت تاريخيا قائدة في التطوير التكنولوجي. فالأتمتة والروبوتات، سواء لتحل محل العمالة البشرية أو لتعززها، هما من المفاهيم الشائعة في المجتمع الياباني. فالشركات اليابانية كانت تقليديا في الطليعة في مجال تكنولوجيا الروبوتات. وقادت مؤسسات مثل FANUC، وKawasaki Heavy Industries، وSony وYaskawa Electric Corporation، الطريق في مجال تطوير الروبوتات خلال النهضة الاقتصادية لليابان. وكانت الأتمتة ودمج تكنولوجيا الروبوتات داخل الإنتاج الصناعي جزءا لا يتجزأ من النجاح الاقتصادي لليابان في أعقاب الحرب. وقد بدأت Kawasaki Robotics الإنتاج التجاري للروبوتات الخاصة بالصناعة قبل ما يزيد على 40 عاما مضت. وقد تم استخدام قرابة 700 ألف روبوت صناعي على مستوى العالم في عام 1995، كان 500 ألف منها في اليابان. ولا تزال اليابان قائدة في إنتاج الروبوتات واستخداماتها الصناعية. وقد صدر البلد ما قيمته قرابة 1.6 مليار دولار من الروبوتات الصناعية في عام 2016 - وهو ما يفوق أكبر خمسة بلدان مصدرة تالية لها "ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية" مجتمعة. واليابان أيضا واحدة من أكثر الاقتصادات إدماجا للروبوتات في العالم من حيث "كثافة الروبوتات" - مقيسة باعتبار عدد الروبوتات بالنسبة لعدد البشر في الصناعات التحويلية والصناعة. وقادت اليابان العالم في هذا المقياس حتى عام 2009، حين ارتفع استخدام كوريا للروبوتات الصناعية وانتقل إنتاج اليابان الصناعي على نحو متزايد إلى الخارج. أهي للأكثر ثراء أم للأشد فقرا؟ كانت علاقة نجاح الاقتران الأولي بين قوة العمل اليابانية والروبوتات - وهو أتمتة قطاعات رئيسة مثل صناعات السيارات والإلكترونيات في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات - تبشر بالخير فيما يخص الموجة التالية من التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وبتأثير في التوظيف والأجور فيما هو أبعد من التصنيع. الفجوة في نمو الإنتاجية بين قطاعي الصناعات التحويلية والخدمات في اليابان متسعة للغاية. وفي حين أن هناك أسبابا عديدة، كانت المكاسب الأكبر في الإنتاجية الصناعية متعلقة بقوة بالاستخدام الزائد لتكنولوجيا المعلومات والاتصال والأتمتة. وربما لا يكون من قبيل المصادفة أن قطاعات الصناعات التحويلية الأكثر إنتاجا في اليابان - وهي السيارات والإلكترونيات - هي تلك التي تعتمد عمليات الإنتاج فيها بشدة على الأتمتة. وعلى النقيض، فإن قطاع الخدمات، المسؤول عن 75 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، شهد نموا طفيفا في الإنتاجية السنوية - نحو نصف معدله في الولايات المتحدة تقريبا. وقد تضاعفت إنتاجية العمالة ثلاث مرات تقريبا منذ عام 1970 في الصناعات التحويلية، لكنها تحسنت بنسبة 25 في المائة فقط في قطاع الصناعات غير التحويلية. الموجة المقبلة من تكنولوجيا الأتمتة والذكاء الاصطناعي تبشر بإمكانات جديدة لإحلال أو زيادة العمالة في قطاع الصناعات غير التحويلية، على سبيل المثال، في النقل، والاتصالات، وخدمات التجزئة، والتخزين، وقطاعات أخرى. ووفقا لعديد من التقارير الحكومية "من بينها التقرير الاقتصادي الإقليمي لبنك اليابان والمسح السنوي للإنفاق الرأسمالي المخطط الصادر عن بنك التنمية الياباني"، فإنه حتى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم تدمج التكنولوجيا الجديدة لتعويض ندرة العمالة وتظل قادرة على المنافسة. وعلى سبيل المثال، تقوم فاميلي مارت Family Mart، وهي سلسلة متاجر تجزئة يابانية بتسريع وتيرة تنفيذ عدادات الدفع الذاتي، فيما قامت مجموعة مطاعم كولووايد Colowide وكثير من مشغلي المطاعم الآخرين بتركيب نقاط تلقي طلبات تعمل باللمس لتبسيط العمليات وتقليل الحاجة إلى عاملين. وتكثر نماذج أخرى في مجال الرعاية الصحية، والخدمات المالية، والنقل، والخدمات الأخرى - بما في ذلك الطهاة وموظفو الفنادق الآليون. تشير الشواهد العملية - على عكس المخاوف من الأسوأ - إلى أن الأتمتة والاستخدام المتزايد للروبوتات كان لهما تأثير إيجابي شامل في التوظيف المحلي ونمو الدخل... يتبع.
مشاركة :