يقولون إن الأحلام كانت سببا في حصول اثنين من الحالمين على جائزة "نوبل"، وكانت سببا في اكتشاف عقارات دوائية خدمت البشرية، لأنها تساعدك في التفكير خارج الصندوق، فأحلامنا ما هي إلا انعكاسات طافحة بما نضمره من اهتمامات في حياتنا الواعية، بل قالوا إنها "وقود الحياة، ومصدر الإلهام، ونفض المتاعب والمنغصات"، أحلم ليس بنوبل، فمعي شهادة "حسن سيرة وسلوك"، وهذه تكفي، ولكني أحلم بمقولة الروائي الشهير "واسيني الأعرج"، (المدن تكبر بثقافتها ومثقفيها)، فمتى أرى مدن بلادي وهي تعج بالمهرجانات والملتقيات، ومعارض الكتب، والطروحات العلمية الجادة، والدراسات التاريخية، والبرامج الترفيهية، أحلم بمدن ترفل أحياؤها بمراكز حضارية، أو قصور للثقافة، أو منجز أشبه بـ"ساقية الصاوي" بالقاهرة، كرافد من روافد الإبداع الحر وصناعة الوعي الجماهيري، كي لا تصبح "مدنيتنا" مبتورة في زمن التثاقف الكوني، وتكون حمولاتها معرفية بتكوينات مجتمعية صرفة، "مكتبات عامة، متاحف تراثية، مسارح، مسابح، ملاعب رياضية، فصول تقوية مدرسية، محاضرات، ندوات، أمسيات، حدائق عامة، مكتبات أطفال، أندية للمتقاعدين، شبكات إنترنت، ورش تدريب لتنمية ملكة التفكير والابتكار عند أطفالنا". أحلم برؤية قلائد "الأزاهير" الناعمة تتدلى كالعناقيد من نوافذنا، وتورق في شرفات منازلنا كل صباح، بدلا من مشهد الشراشف البالية على حبال الغسيل، وسروايل العمالة الوافدة على الجدران المتآكلة، دون روادع من نظام ينصفنا ويحمينا من ذلك التلوث البصري والتداعيات المخجلة، أحلم أن أسلك طريقا في بلادي دون أن أرى لوحة غير "مطلوسة" وفي معاجم اللغة العربية طلس أي "محا وطمس وشوه وأفسد"، أحلم بتوسيع هوامش المشاركة المجتمعية لطلاب التعليم العام والجامعي، من خلال استنهاضهم واستثمار مخزوناتهم وتوظيف قدراتهم وحيويتهم واندفاعاتهم، بما يردم القطيعة والانفصام بين تواصلهم وإسهامهم في النهوض بدورهم في النشاط المجتمعي العام، على الضوء الاهتداء بما كنا نقوم به في أسابيع "النظافة والزراعة"، واستحضار ذلك الإحساس المترع والنبيل الذي كان يغمرنا ونحن نستنبت برعما في سفوح جبالنا، ونزيل ساقطا من النفايات في دروبنا، فمتى نستجلب ذلك المعنى، ونستبق إلى تلك المطارح والمنطلقات في كل صيف؟ لنميط اللثام الوحشي عن تلك البواسق من الأشجار، وقد كستها أكياس البلاستيك، ونزيل مواقد الرماد المسف فوق حرير ترابها، ونغسل جسدها البهي بالعبق والمسرات، أعلم أن هناك من سيمد "براطمه" ويشيح بوجهه عن هذا الحلم، بعد أن يهمهم ويثرثر في نبرة صارخة وصعقة مملوءة بالغضب والاحتجاج ليقول: متى كان أبناؤنا "عمال نظافة"؟ وليته يعلم أن هذا السلوك المتعالي هو تفجير لطاقات الذات، وتمكيث للحس والضمير الوطني، ومعطى معرفي وأخلاقي وجمالي. وأخيرا، كي نحقق أحلامنا لا بد أن نستيقظ.
مشاركة :