الصحافة لن تلفظ أنفاسها

  • 8/7/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

ال قضية مستقبل الصحافة موضوعا يجري تداوله بكثافة غير مسبوقة. الصورة الأقرب إلى الاندماج ما بين الرقمي والصحافي والقفزات الهائلة في تكنولوجيا الإعلام والاتصال زادت من مساحة النقاش. كنا قد أشرنا إلى ذلك في مقالة سابقة إلا أن المستجدات في هذا الشأن لا تكاد تتوقف، هنالك المزيد من المؤتمرات والحلقات الدراسية والندوات التي تناقش الظاهرة من مختلف جوانبها وهنالك من الجانب الآخر الوضع الميداني للصحافة في حد ذاتها. على صعيد مسار الصحافة اليوم فإن ثنائية: الورقي/الرقمي هي الثنائية التي تشكل تحديا حقيقيا. والخلاصة الجاهزة أن فرص الحياة والنمو والتطور تختص بالرقمي فيما تتعثر الصحافة الرقمية وتتراجع، وهو حكم مطلق ولعل فيه بعض المبالغة. الإشكالية التي تبرز هنا تتعلق بمقدار استجابة المؤسسة الصحافية للمستقبليات وليس القلق على الورقي، انفتاح الصحيفة على مستقبل واعد يتيح للمؤسسة الصحافية مواد إخبارية وتغطيات متيسرة وغير مسبوقة من جهة المصداقية وسهولة الوصول إلى الخبر. التكنولوجيا الحديثة سوف تختصر كثيرا من العناء الذي كان يكابده الصحافي في ما مضى عندما كان يستخدم أدواته التقليدية. مؤخرا نشرت صحيفة الغارديان البريطانية حصيلة ما حققته استجابة للتحدي الرقمي والخلاصة أنها حققت أرباحا لم تكن متوقعة. هذا التقييم يغادر تلك القناعة السلبية بأن الرقمي سيكون بالمجان غالبا، موقع الصحيفة الإلكتروني مباح للقراء بلا ثمن في مقابل تدهور توزيع النسخة الورقية. الغارديان تقول إنها حققت أرباحا مليونية من بيع نسختها الرقمية والحاصل أن الصحافة الجيدة هي التي تجعل جمهور القراء مستعدا للدفع من أجل استمرارها. معيار الجودة سوف يكون معيارا أساسيا في أي نقاش بصدد هذه الإشكالية وليس النظر إلى التطور التكنولوجي على أنه كابوس سوف يقضي على الصحافة الورقية فحسب. تقول الغارديان إنها حققت أكثر من مئة مليون باوند أرباحا خلال العام الماضي من بيع نسخها الرقمية. لا شك أن هذا المستوى من النجاح هو الذي يختصر كثيرا من الجدل حول الظاهرة ويؤكد أنه من غير الصحيح القول إن الصحافة بشكل عام تحتضر أو هي في طريقها إلى الاحتضار ليحل في محلها ما يتم تداوله عبر أدوات ووسائل التواصل الاجتماعي التي سوف تتحول إلى قناة إخبارية رئيسية. عربيا، ليس هنالك رصد دقيق مماثل للظاهرة الرقمية لكن على المؤسسات الصحافية تقع مهمة إيجاد جمهورها ومستهلكها لإنتاجها الرقمي بصفة عامة. تعوّد الجمهور بالتدريج على هذا النسق الجديد سوف ينتج جيلا من القراء ومستهلكي الصحافة الذين سوف يراهنون أيضا على الجودة والمصداقية والموضوعية. بالطبع هنالك سحابة من اليأس تطغى في العالم العربي تغدو معها مثل هذه الأطروحة ضربا من التفاؤل المسرف، لكن واقع الأمور يؤكد أن هنالك استحقاقات صحافية وتكنولوجية لابد منها بصرف النظر عن أن نكون متفائلين أو متشائمين. هنالك معيار واحد هو الأمر الواقع وحاجة المجتمع برمته إلى الأخبار وهو حق وسلوك يومي في آن واحد، الحق في الوصول إلى المعلومات والأخبار ودخول تلك المتابعة المتواصلة إلى سلوك يومي ومفردة من مفردات الحياة اليومية. الصحافة وفق هذا المعيار الواقعي لا تحتضر ولا تنتهي أدوارها من جهة، ولن تبقى أسيرة الأساليب والأدوار التقليدية من جهة أخرى، فالاستحقاق الرقمي حقيقة واقعة وشكل وأسلوب العمل الصحافي يتداخلان مع تلك المعطيات الجديدة وليس هنالك مفر من ذلك. تفتخر الغارديان مثلا بأنها وصلت إلى حاجز 10 ملايين قارئ على شبكة الإنترنت وارتقت من المرتبة التاسعة عالميا إلى الثالثة. مثال يمكن أن يوفر المزيد من الثقة في أن الصحافة تتطور جذريا وأنها لا تحتضر.

مشاركة :