أسفر ظهور السيدة المصون حرم الشيخ أحمد الغامدي في برنامج " بدرية " ردود فعل غريبة عجيبة، وصلت حد إعلان قتل الشيخ الغامدي، اتضح أنه اشاعة دنيئة تفصح- ربما - عن رغبة هؤلاء الإرهابيين والمتطرفين وأصحاب التيار المتشدد أن يمارسوا هواية القتل " الداعشية " مع رجل لم يسىء أو يضر أحداً، كما فعل الارهابيون والمحرضون على الإرهاب والتغرير بالشباب والأطفال وتهريبهم عبر دروب وعرة بدعوى الجهاد، فقط لأن سلوكه لم يوافق توجهاتهم، وخرج يغرد بعيداً عن سربهم. ولأن ما طرحه حول حجاب المرأة وجواز كشف الوجه والاختلاط وتفريقه بين الاختلاط والخلوة، وجواز الاختلاط، هزَّ الصورة المهيبة التي حاول بعضهم تلبسها، وزلزل كيان ما عرف " بالصحوة " التي أوصلتنا الى هذا الوضع المتصارع حول أي شيء يخالف قناعاتهم وفتاواهم وأفكارهم التي تقف في وجه مجتمع يتحرك الى الأمام في عصر السرعة، مجتمع ينهض بعزيمة ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين والمسؤولين الذين يدركون أن المكابرة في مسايرة العالم والمنع والتحريم الذي لا يرتكز على قاعدة شرعية ثابتة بل وفقاً للأهواء والآراء وخارج من عباءة العادات والتقاليد، تبعدنا عن مسيرة النهضة مع كل الجهود المبذولة في عصر يتميز بالسرعة. هذه الأفكار حول كشف المرأة لم يخترعها الشيخ الغامدي حفظه الله ورعاه، بل استخرجها من الكتاب والسنة والسيرة النبوية العطرة التي يريد المتطرفون إبعادنا عنها بالتشدد حول كل ما يخص حياتنا وشوِهت صورة الدين، وتشوشت أفكار الشباب، فانحرف يميناً ويساراً، وأصبح العبء على الدولة كبيراً، لمكافحة التطرف، ومكافحة الإلحاد والمخدرات، وملاحقة شباب الوطن لاسترجاعهم من مناطق الصراع، أو استخراجهم من السجون وإنقاذهم من الإعدام. ماذا فعل الشيخ أحمد الغامدي غير أنه صدق مع ربه ومع نفسه ومع مجتمع يعاني من تشويش فكرى نتيجة الفتاوى المتضاربة حول كل ما يخص المرأة، فما أعلنه في بحثه حول الحجاب، وجواز كشف المرأة لوجهها، طبقه بشكل عملي كي لا يكون ممن يقولون ما لا يفعلون، هذا هو الأمر ببساطة، بينما هناك من يجلس مع نساء سافرات ويتبادل النكات معهم وينفي ويكابر، ثم تفضح الصور والفيديوهات كل المشاهد التي ظن ذلك الشيخ أنها مخفية، فصمت الجميع ولم يلمه أحد وكأن الشيخ والداعية - كما يعرّفون أنفسهم - يحلون لأنفسهم الجلوس مع غير المحجبات ويمازحونهن ويظهرون بوجه آخر مختلف عن الوجه الذي يظهر به في القضايا الخاصة بالمرأة في الداخل! حرموا أو منعوا تعليم المرأة، لكن قرار الملك فيصل رحمة الله عليه بإنشاء مدارس للبنات، حوَّل "الحرام" حلالاً لأنهم سارعوا بتعليم بناتهم في المدارس، والجامعات حتى أعلى الدرجات العلمية. حرموا التلفزيونات وأطباق الاستقبال والصورة، ثم أصبحوا أكثر الوجوه ظهوراً على شاشاتها، وأحلوا لأنفسهم ما حاربوا وجوده وحرموا اقتناءه، ثم أصبحت لهم حلالا بلالا! حرموا أدق تفاصيل استخدامات المرأة؛ لبس البنطلون، وعباءة الكتف، والعباءة الملونة، وجلوس الطفلة مع أبيها في خلوة، واستخدام المرأة للانترنت بدون محرم، وعمل المرأة في محلات بيع المستلزمات النسائية، حرموا الرياضة أهم نشاط صحي يحمي المرأة من السمنة ومضاعفاتها وهشاشة العظام والاكتئاب. حرموا قيادة المرأة للسيارة، وأحلوا اختلاءها بسائق غريب عنها لا تعرف أخلاقياته، ولا ينتمي لها لغة ولا ديناً من أجل التشبث بالرأي لا أكثر. قائمة التحريم طويلة، لكنها تنخفض مع مرور الزمن لأن حركة المجتمعات دائما تسير للأمام لا إلى الخلف، فالمرأة تتعلم وتعمل في كل القطاعات، والرياضة أصبحت واقعاً مشرقاً في مدارس تعليم البنات، وستقود المرأة سيارتها في القريب بإذن الله لكني أتمنى ألا يسمح لبنات ونساء من حرموا هذا الحق أن يتمتعن به، بل يمنعن منه ليذوقوا وبال أمرهم. منذ بداية ما عرف بالصحوة، ونحن نعيش فترة عصيبة مشحونة بالصراعات من أجل التحريم والمنع، ثم أخذت الأمور تسير في مجراها الطبيعي، لذلك أرى أن هذه القضية " كشف وجه المرأة " أيضا ستصبح من الماضي، ككل القضايا التي أصبحت ماضياً نعود اليه لنثبت أنه لا يصح الا الصحيح. يكفي الشيخ الغامدي ما لاقاه عند ظهور بحثه حول الاختلاط، والحملة الشرسة التي شنت عليه وعلى أسرته وأولاده، صبر الرجل إيماناً واحتساباً، وظهوره في برنامج بدرية البشر ، وظهور زوجته في بيتها وليس في الأستوديو ، كان أمراً طبيعياً جداً، وحقاً إنسانياً وحرية شخصية لايجب أن تثير حولها كل هذا الصخب لو أن المجتمع يدرك جيداً مشكلاته الحقيقية ،ويسعى صادقا للتغلب عليها، لكن كل قضية تُظهر من خلال التعامل معها أننا مجتمع متشدد من جهة ومن جهة أخرى مشوش الأفكار ، لا يعرف أين وجهته الصحيحة، فتعصف به سفاسف الأمور، بينما تكتنفه عظائم الأمور كالفساد الذي لم يُبق ولا يذر ومع ذلك لم ينتفض له من انتفضوا على الشيخ الغامدي ولا من اتبعهم ودخل في جلبابهم في هذه القضية أو القضايا الأخرى الهامشية.. حفظ الله الشيخ الغامدي ومن صدق مع الله ومع نفسه. nabilamahjoob@yahoo.com
مشاركة :