«أمة اقرأ.. لا تقرأ»..!! عادل خميس الزهراني «أمة اقرأ.. لا تقرأ»..!! تستفزني هذه العبارة.. وأرفض التسليم بها بتاتاً، بل أعتبر من يرددها متفذلكاً ليس إلا.. ولا أعلم لماذا! فهي تتكرر بأكثر من وجه.. مرة رأى أحد الزملاء بيدي كتاباً، فسألني عنه، قلت إنها رواية إنجليزية تدور أحداثها في القرن الثالث عشر إبان الحروب الصليبية، فرد عليّ قائلاً: «أنا عدو التاريخ والأدب» وعندما استوضحته عن معنى كلمة «عدو..!!» أجابني «أنا لا أقرأ.. ألسنا أمة لا تقرأ».. تمالكت غضبي ورددت عليه بأن هذه المقولة غير صحيحة، واستشهدت بوجود الكتابة منذ عرفت الإنسانية، قلت له إن القراءة ليست مرتبطة بجنس ما، القراءة غريزة إنسانية، وإلا لما أوجدت الثقافات القديمة لغات للكتابة، والعربية منها، هذا الرصيد المليء من أساليب الرصد الكتابي على الأحجار والجلود والصخور وغيرها يثبت أن القراءة غريزة إنسانية عامة، كل الثقافات أوجدت خطوطاً ليتمكن الآخرون من قراءتهم خلالها. من هنا قال ستيفن روفر في كتابه (تاريخ القراءة) إن القراءة صنو الكتابة، غير أن الكتابة محدودة أما القراءة فهي مطلقة الحدود، الكتابة تجميد للحظة التاريخية، أما القراءة فهي صيرورة سرمدية. أما ألبرتو مانقويل في كتابه الشهير (تاريخ القراءة) فيجيب على كثير من أسئلة القراءة بصفتها فعلاً ثقافياً، وأول ما يفعله مانقويل هو تأكيد نظرية «كون القراءة غريزة عالمية».. صفة إنسانية مشتركة وجدت عند المصريين القدماء، وعند من قبلهم ومن بعدهم، وهي موجودة عند العرب أيضاً، وهذا اكتشاف مذهل يثبت أن العرب شعب ينتمي للإنسانية!! ومانقويل يثبت ذلك بعدة طرق بسيطة ومباشرة، فتارة يمر على فلاسفة الشعوب وما قالوه عن القراءة، وأخرى يقرأ لوحات عالمية لشخصيات مختلفة الأعراق والأزمان ومحورها القراءة، ومرة يمر على طرائق القراءة وأساليبها وعادات الشعوب في القراءة وطرائفهم وهكذا. مانقويل أيضاً يجيب على أسئلة مهمة كأسئلة البدايات، وعلاقة النفس الفطرية بالحرف المكتوب، ويسأل عن الأسباب الحقيقية التي تدعو الطفل -ما إن يبدأ بتلمس طريق الحروف- حتى يطارد لوحات المحلات والشوارع، وعناوين الصحف وكتب الأب في المكتبة، لكنه -دون أن يصرح- يؤكد أهمية أن تكون في كل بيت مكتبة ولو كانت صغيرة لتجد اليد الصغيرة طريقها إليها دوماً، هذا يعني أن اليد الصغيرة -لدينا- يمكن أن تجد لها شيئاً آخر لتسرقه من مكتبة الأب، غير سرقتها مفاتيح السيارة وأشياء أخرى. كان مانقويل في بداية المراهقة مهتماً بنوع معين من أنواع الكتب، يمكن لكم أن تتخيلوه، ولم يردعه أحد عن التهام كل ما في مكتبة أبيه الزاخرة، وهذا درس تربوي آخر أجدني أصر عليه في أي نقاش أدخله حول مسألة القراءة، وهو أنه لا بد لأي قارئ أن يقرأ ما يهتويه، فهذا هو السبيل إلى تدريب هذه النزعة، وكلما قرأ الإنسان ما يرغبه كلما اتسع أفق معرفته ودائرة اهتماماته القرائية، فقارئ الروايات سيجد نفسه غارقاً في كتب التاريخ والسير الذاتية وعلم النفس والاجتماع ربما. كان أحد الزملاء الظرفاء يراني حاملاً كتابي أينما رآني، ومرة صادفني في إحدى المستشفيات أقرأ كتاباً ما، فسلم عليّ.. ثم عنفني مازحاً: «ما كان تقرا لك قرآن أحسن لك».؟! هناك فكرة متفشية حول عدم جدوى القراءة ما لم تكن أهدافها واضحة أو مباشرة، للأسف هناك الكثير بيننا ممن يرون أن القراءة مضيعة للوقت.. تخيلوا.. القراءة!!
مشاركة :