أمة اقرأ... لا تقرأ 

  • 1/18/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

"اقرأ " هي أول كلمة استهل بها جبريل عليه السلام خطابه لمحمد صلى الله عليه وسلم، فكانت نبراساً وفتحاً مبيناً لرفع غطاء الجهل عن الأمة، وتحريراً لها من أصفاد العبودية الفكرية. أسأل نفسي بادئ ذي بدء: لماذا أقرأ ؟ فجوابي : لكي أطهر عقلي من درن التفكير السيء، وأبحر مع أفكار الآخرين حتى أكتشف ما بداخلهم من كنوز، وأستزيد من معين علمهم، وأبقي عقلي نشطاً لكي لا يشيخ، فقد أثبت العلم أن القراءة تزيد من قوة العقل وتؤخر سن الخرف. القراءة نافذة نبصر من خلالها بواطن ملكوت الله، ولها أثر عظيم على مرتاديها، تثريهم فكرياً وتزيدهم متانة في الحديث،قال أمين معلوف : إذا قرأت "قراءة فعلية" أربعين كتابا حقيقيًّا خلال عشرين عامًا، فبوسعك مواجهة العالم." وكما سُئل أديسون: ما أسباب نجاحك؟، فقال: القراءة بلا انقطاع، والعمل بلا يأس. العقل كالجسد إن غذيته بمحاسن الكلم انعكس ذلك إيجاباً في النظرة إلى الحياة، وكما قيل : "كل إناء بما فيه ينضح" .. هذا أدق رد على تساؤلي. القراءة هي نافذة ترينا خفايا العالم الآخر وتربط بيننا وبين الأمم الأخرى،كما أن القراءة تبقينا على اطلاع دائم بأحداث الأمة ومصيرها وما يخطط لها من قبل أعدائها. قال موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق : " إن العرب لا يقرؤون، وكان دائماً يردد أنه لو قرأ العرب كتابه عن حملة سيناء سنة "1956" لأدركوا ما سيحدث سنة "1967". ولولا القراءة ما تقدمت الأمم، ولا زاد انتاجها الاقتصادي، وما سبب تخلفنا إلا لعزوفنا عن القراءة. وقد أدرك الغرب قديما أن سر قوتنا وتقدمنا كان من أسبابه تمسكنا بشتى صنوف المعرفة وامتلاكنا دوراً للقراءة عظيمة وثرية ثقافياً. فبدأوا ينهلون منها حتى ارتووا. فملك إنكلترا والنرويج والسويد "جورج الثاني"، أرسل خطاباً وهدية إلى خليفة الأندلس هشام الثالث بمعية وفدٍ من طلاب العلم وعلى رأسهم ابنته، يستأذنه لينهلوا من معين معاهدهم العلمية، فقبلهم الخليفة هشام على نفقة بيت مال المسلمين. هكذا كان حكامنا سابقاً في تعظيم شأن العلم، جعلوه متاحا مجاناً لكل طالب علمٍ، حتى وإن كان من غير المسلمين. وما يحزننا الآن هو حال أمتنا، ضاربة بأطنابها في الجهل حتى أصبح البعض منا والعياذ بالله لا يستطيع أن يقرأ سورة الفاتحة التي لا يقبل الصلاة إلا بها، فضلا على أن نجابه أعداءنا المتربصين بنا ونحن غارقون في ظلمات الجهل غير قادرين على تمييز الغث من السمين. فانتكس حالنا، وغدونا نستجدي الغرب لننهل من معاهدهم وجامعاتهم، بعد أن كانوا يقرعونا أبوابنا. فتخيل أن أول اختراع للكاميرا التي اشتق اسمها من اللفظ العربي "الكُمرة"، كان لابن الهيثم الذي أُشتهر و ذاع صيته في علم طب العيون والبصريات. ولا يقل عنه شأنا، أبوبكر الرازي الذي ألف كتاب الحاوي في الطب، ضمَّ كل المعارف الطبية منذ أيام الإغريق حتى عام 925م. وجابر بن حيان الذي أشتهر في علم الفلك والهندسة والكيمياء وعلم المعادن والفلسفة والطب والصيدلة، وهناك الكثير من علماء العرب الذين لا يتسع المقام لذكرهم، ومع الأسف كثير منا يجهلهم ويجهل ما قدموا للعالم. القاريء النهم لبقٌ في حديثه وغزير الحكم والبلاغة، تسعفه متى شاء. فاللغة هي أساس الرزق، فالزعماء الأفذاذ كانت كلماتهم آسرة لقلوب شعوبهم، فخير قائد كان النبي محمد صلوات الله عليه. فحديثه كان القرآن الذي لا يضاهيه كُتب العالم قاطبةً. فالقرآن معجزة الزمان والمكان، فيه شتى العلوم والمعارف. لو انكب المسلمون على فهم آياته لقادوا العالم باختراعاتهم. كما أن حفظة كتاب الله تجدهم أطلق الناس حديثاً، وأكثرهم حكمة وهيبة. ولا ننسى الخلفاء الراشدين من بعد سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، أتحفونا بخطبهم وكلماتهم الجياشة التي أسرت قلوب الفقهاء والعلماء، ولا تزال تُعتبر مرجعًا للدارسين. والسؤال الذي يطرح نفسه : ماذا نقرأ، ولمن نقرأ؟ اختيار الكتب له وقعٌ مهمٌ على زيادة الثقافة، ولا ضير أن نقرأ لتخصص أو نطاق معين من المعرفة، ولكن الأفضل من ذلك الإبحار في شتى مناهل العلم. فالشخصية المثقفة يبرز حضورها بين أوساط المثقفين جلياً. ومن الأفضل أن يُخصص في أحد أركان البيت مكتبة تحتوي على صنوف المعرفة الهادفة. قال بيتشر : "الكُتب نوافذ تشرف منها النَّفس على عالم الخيال، فبيتُ بلا كتب كمخدعٍ بلا نوافذ". والمكتبة العربية ثرية بمناهلها، وأنصح من يريد أن يزيد ملكته في القراءة والكتابة باقتناء كتاب البيان والتبيين للجاحظ، وأدب الكاتب لابن قتيبة، والنظرات للطفي المنفلوطي، ووحي القلم لصادق الرافعي، وجواهر الأدب للهاشمي، وقول على قول للكرمي، والعقد الفريد لابن عبد ربه. وهناك الكثير من المؤلفات التي تذخر بها مكاتبنا العامرة. كما أحث نفسي وإخواني الأحباب على أن نعود أبناءنا على القراءة، فهم حملة مشعل العلم ومستقبله. فالقراءة ليست لها سنٌ معين أو مستوى تعليمي محدد، بل هي متاحة للجميع. وفي ظل التطور التقني لا عذر لأحد في ترك الإقبال على القراءة، فتستطيع تثبيت مكتبة عامرة على جهازك المحمول أو هاتفك الذكي بضغطة زر. وخير الكتب التي يجب أن تمتلكها هي كتب العلوم الإسلامية. نحن أمة لا تنهض إلا بالقراءة، فليكن ديدننا يومياً القراءة، في المنزل، في مواقف الباصات، في وقت انتظار موعدنا مع الطبيب، في كل مكان نقرأ، وفي أي وقت كان.

مشاركة :