الفقر، الارهاب، الفساد وسلسلة طويلة من السلبيات الموجودة في كافة الدول العربية والإسلامية لا يمكن القضاء عليها كما أعتقد إلا بالقضاء على هذا العنوان الكبير المسمى بالجهل، لا أقصد بالجهل هنا المعنى المقابل للعلم التخصصي فقط، بل الذي يقابل الثقافة كعنوان كبير يمكن تعريفه بأنه: الإحاطة بنسبة من العلم في تخصصات شتى لها مساس بسلوك الإنسان وطريقة تفكيره، العالِم المتخصص في علم واحد فقط لا يختلف كثيرا عن الجاهل المطلق، السبب هو أن القواسم المشتركة بين جهله وجهل ذلك الشخص الذي لا يفقه شيئا البتة كثيرة جدا، العالِم بهذا الشكل ليس هو القادر على بناء وطن آمن ومستقر، المتعلم المثقف المتنور هو عادة الشخص القادر على إدارة حياته ومجتمعه بالشكل السليم، وهو الأقدر كما أعتقد على الوقوف في وجه كافة عناوين الفساد ورفضها، فهو بالنتيجة نموذج الإنسان الكامل الذي ينبغي السعي لتحقيقه. (أمة اقرأ، لا تقرأ)، هذه الجملة وإن كانت قاسية في وصف المجتمعات العربية والإسلامية عموماً، إلاَّ أنها مع الأسف حقيقة يمكن ملاحظتها بالوجدان، في تصوري لا ينبغي للعرب أن يلوموا وزير الدفاع الإسرائيلي موشي ديان عندما قال قولته المشهورة (العرب أمة لا تقرأ، وإن قرأت لا تفهم، وإن فهمت لا تفعل!!)، السبب هو أنَّ نسبة الأمية في العالم العربي تكاد أن تلامس %20 من إجمالي مواطنيه، ويشكل معدل التحاق النساء بالتعليم %49، وهو ما جعل نسبة الأمية لدى الإناث ضعف نسبتها لدى الذكور، أما معدل القراءة في العالم العربي فهو معدل مخزٍ جداً، إذ تشير إحصائية لليونسكو تعود للعام 2008 إلى أنَّ معدل قراءة المواطن العربي لا تتجاوز ست دقائق في السنة فقط، وعلى مستوى الإصدار المعرفي فإنَّ العالم العربي يصدر كتابين مقابل مائة كتاب في القارة الأوروبية، هذه الإحصاءات هي واقع أليم لمشكلة الجهل الذي يعيشه عالمنا العربي والإسلامي، وهو كما أرى سبب كل مشكلات التخلف والفساد والفقر وكافة أشكال الرجعية. في تصوري أنَّ رؤية المملكة 2030 ولكي تكتمل في أفضل صورة لها، ينبغي أن تمنح (بناء الإنسان الثقافي) نصيباً مهماً من الاهتمام، بناء الإنسان ثقافياً يعني أن يكون للمدرسة أولاً برنامج لتحفيز الطلاب والطالبات على القراءة، بحيث تتشكل لديهم هذه المَلَكة، هذا الأمر عمدت إليه مجموعة من المدارس الخاصة وأقامت مسابقات للقراءة وحققت نجاحات باهرة على مستوى الطفل، ما المانع في أن يطرح ذات البرنامج في كل مدرسة حكومية للتحفيز على القراءة؟!، ومن جانب آخر فإنَّ الإعلام العربي ينبغي أن يكون له دور أفضل في هذا الجانب، وهو المنشغل مع الأسف الشديد بنسبة غير قليلة منه للقنوات الدينية والمهاترات الطائفية أو لقنوات الغناء والرقص. لا أشك أن دولة داعش وكافة المنظمات الإرهابية الأخرى تضم نسبة قد لا تكون قليلة من الأطباء والمهندسين والمتخصصين عموما، ولكنني أستبعد جدا أن يكون لديهم شخص واحد مثقف ومتنور، الجهل الثقافي والفكري هو من جعلهم إرهابيين، ومن جعل غيرهم فقراء وغيرهم متخلفين رعاعا، وإذا كنا بالفعل نرغب في تصحيح المسار فينبغي أن نُدرك أولاً أنَّ توجيه الإنسان منذ طفولته إلى حب العلم والقراءة يستطيع تدريجياً صناعة أجيال متنورة تستطيع المساهمة في بناء عالم عربي وإسلامي أكثر تقدماً مما نحن عليه، أما دون ذلك فلا شك أنَّنا نسير إلى مزيد من الفقر والتطرف والرجعية.
مشاركة :