طلال عوكل يكتب: ترامب يعلن الحرب

  • 9/2/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لا أظن أن جاهلا في السياسة من نوع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد اعتمد سياسة الخطوة خطوة في تنفيذ صفقة القرن، انطلاقا من قراءاته لوزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر. إن كان قد فعل ذلك فبالتأكيد أن ثمة من نصحه باتباع طريقة كيسنجر التي اعتمدها بنجاح بعد حرب اكتوبر 1973، حتى توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل. ترامب لن يبادر إلى الإعلان عن صفقة القرن، لأنها بما تتضمنه، وما تتضمنه عبارة عن وصفة لتصفية القضية الفلسطينية، سيؤدي إلى نشوء معارضة عربية ودولية قوية. صفقة القرن بالوصفات التي ظهرت فيها حتى اليوم، تستهدف القضية الفلسطينية من جذورها، وليس فقط الحقوق المجزوءة التي قررتها الأمم المتحدة عبر عشرات القرارات، وتتعلق فقط بالأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967. مثلما يجاهر ترامب بعدائه مع كل المجتمع الدولي الفاعل بما في ذلك حلفائه التاريخيين وأبناء جلدته الرأسمالية، فإنه يجاهر بعدائه لفلسطين ويجاهر أيضا بالانتقال من موقع الانحياز لإسرائيل إلى تبني كل سياساتها ومخططاتها التوسعية، والعدوانية. الطريقة التي نقلت عند توقيعه على قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل هي الطريقة المتبجحة، والكارهة، التي يصدر من خلالها قراره بوقف كامل الدعم الأمريكي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. كأنه يتحدى العالم وليس الفلسطينيين والعرب فقط، تعمد اتخاذ هذا القرار وإعلانه قبل أيام من انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو يعرف بالتأكيد أن الفلسطينيين سيكونون هناك وسيحصلون على قرار بأغلبية كبيرة لرفض قراره، وللتأكيد على استمرار تمسك المجتمع الدولي بقرار الأمم المتحدة رقم 194. الولايات المتحدة تتحدى المجتمع الدولي ومنظومة الأمم المتحدة وقراراتها وهيبتها ودورها في إقرار الأمن والسلام الدوليين. سيكون على المجتمع الدولي أن يتصدى لهذا التحدي وأن يتحمل مسؤولياته على نحو مختلف عما حصل بالنسبة لقرار القدس. الأمر بالنسبة لموضوع الأونروا، قابل للنجاح في مواجهة القرار الأمريكي الإسرائيلي، حيث تبدي العديد من الدول استعدادها لزيادة دعمها لصندوق الأونروا، لتمكينها من الاستمرار في تقديم الحد الأدنى من واجباتها تجاه اللاجئين، لكن الأهم من ذلك هو ما ينطوي عليه هذا الدعم من أبعاد سياسية وقانونية. وطالما أن الولايات المتحدة تستهدف نسف الأساس والمرجعية القانونية للقرارات التي تتعلق بالحقوق الفلسطينية، فإن المجتمع الدولي معني بحماية تلك المرجعية وتلك الحقوق، خاصة وأن التوتر يتصاعد بين الولايات المتحدة، وعدد كبير من الفاعلين الدوليين. الطرف الإسرائيلي يرقص فرحا، فأوساط نتنياهو تتحدث عن توفير أموال عبر قنوات بديلة للأونروا، لتحسين حياة اللاجئين، ذلك أن تلك الأوساط ترى بأن وجود الأونروا يشكل عقبة كبيرة لا يمكن لها أن تدوم إلى الأبد. حليفه الوزير نفتالي بينت، يصف الأونروا برعاية الإرهاب، ولذلك فإنه يرى بأن الولايات المتحدة تواصل دورها في محاربة الإرهاب الأمر الذي يستحق التقدير. هذا يعني أن إسرائيل ستتجه نحو إغلاق مكاتب ومؤسسات الأونروا في الضفة الغربية، واعتبار وجودها ودورها خارج عن القانون الذي تطبقه إسرائيل حيث تستطيع. قرار ترامب يفتح المعركة مع الفلسطينيين على اتساعها، الأمر الذي لا يبقي لأحد بأن يشكك في السياسة الفلسطينية الرافضة للسياسة الأمريكية سواء كان اسمها صفقة القرن أو غير ذلك وبما يعني أن على الفلسطينيين تصعيد نشاطهم ودورهم على المستوى الدولي، حيث سيجدون أصدقاء كثر متضررون من السياسة التي تتبعها إدارة الرئيس ترامب. مطلوب مواصلة العمل من أجل عزل التحالف الأمريكي الإسرائيلي، وفضح أي مراهنة عربية أو إسلامية، على دور تقوم به الولايات المتحدة لحماية الآخرين أو مراعاة مصالحهم. على أن تصاعد المخاطر الناجمة عن السياسة الأمريكية الإسرائيلية، لابد وأن تؤدي إلى استفاقة فلسطينية هي متأخرة في كل الأحوال، بشأن توفير متطلبات مواجهة هذه المخاطر. وفي مقدمة هذه المتطلبات والأهم منها، هو انهاء الانقسام الخطير، الذي يهدد الوحدة الجغرافية والسياسية ووحدة المجتمع الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967. لقد بات واضحا أن إنهاء الانقسام يتطلب حوارا وطنيا استراتيجيا عميقا، يبدأ بمراجعة المرحلة السابقة، التي فشل الجميع في ادارتها، وبما يقتضي الاعتراف بالخطأ وحتى الاعتذار للشعب، وذلك قبل أن يتم وضع اتفاق القاهرة رزمة واحدة على طاولة التنفيذ، استنادا إلى آليات ورزنامة وقت محددة وواضحة وهو ما لم يفعله الفلسطينيون حتى اليوم. سيدرك المتمسكون بأجنداتهم وحساباتهم الخاصة، بعد قليل من الوقت، أنهم يفرطون بالمصالح الوطنية، بدون أن يربحوا أنفسهم.

مشاركة :