ما بالك لو نطقت الجملة السابقة دون أن تكمل ما تلاها، " وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ"، فالمعنى الذي تحمله الجملة وحدها نهي صريح عن ركن فرضه الله لا يصح الإسلام بدونه، ولا يكتمل الدين بغيره، لك أن تتخيل ما تفعله الحقائق المزيفة والأخبار المبتورة والإشاعات المغلوطة بالضبط تماما كمن ينهي عن الاقتراب من الصلاة دون توضيح الظروف المنهي فيها عن أدائها.في ٢٢ يوليو الماضي أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي تحذيرًا من خطر يهدد الدولة المصرية والمجتمع المصري لا يقل ضراوة عن خطر الإرهاب هو خطر تفجير الدول من الداخل ببث الشائعات والقيام بالأعمال الإرهابية والإحساس بالإحباط وفقدان الأمل، مؤكدًا رصد 21 ألف شائعة خلال ثلاثة أشهر فقط، الهدف منها خلق البلبلة وعدم الاستقرار والإحباط.طيلة الفترة الماضية عكف ناشطون وكائنات فيسبوكية على ترويج ونشر فيديوهات مجتزئة عن اعتداء رجال شرطة على مواطنين بصورة مسيئة ومستفزة وبالعودة إلى أحد الفيديوهات الأصلية ستجد أن شخصًا فتح مطواة في وجه ضابط استغاث به الأهالي لفض مشاجرة فماذا لو أُصيب الضابط أمام المحتشدين ومنهم، بلطجية وأشقياء وماذا لو فقدت الشرطة هيبتها أمام البلطجية والمنفلتين، تُرى ماذا يحدث لو فقدنا الأمن والأمان...؟!التسرع في إصدار الأحكام والنشر بناء على لقطة فيديو أو صورة ومشاركة ما يسيء دون التحقق والتثبت والاستيضاح وانتظار نتائج التحقيق ثقافة شعبية وإرث عشوائي نقوم به، وغياب فكرة التحري عما نتعرض له ثقافة هشة وخطيئة تعصف بهويتنا تدريجيًا.ورغم التصرف الفردي الذي لا يعبر عن العقل الجمعي في أي مجموعة او فئة او مؤسسة إلا أن قاعدة السيئة تعم هي التي تتعامل بها المجموعات ويجلد بها المتصيدون تلك المجموعة التي أخطأ أحد أفرادها.لذلك جاء الفلكلور الشعبي في المزمار الصعيدي معبرًا عن تلك الحالة "عيب على بحر طوبه تعكره تيجي فيه ولا الاصيل كلمة تزعله تجافيه"، نصيحة وقاعدة للتعامل مع الإشاعات والقاء التهم جزافًا ورمي الناس بالباطل فيذهب الزبد جفاءً وكل ما ينفع الناس يبقى ويدوم ويستمر لعمارة الارض.وستظل "كلنا واحد" ليست مجرد مبادرة أو شعارًا او حملة أطلقتها وزارة الداخلية تلك المؤسسة الوطنية والجهاز الأمني يمثل عمودًا رئيسًا في تماسك هذا البلد وشعبه، إنما هي قاعدة حملها الضباط ورسالة ائتمن عليها ثلة من نسيج الشعب لا توقفها شائعات أو تعطل مسيرتها اخطاء جل من لا يرتكبها، ومن كان منا بلا خطيئة او رد فعل فليرجمها بحجر.وأخيرًا.. خلال مسيرة عمل في تغطية ومراقبة ونقل الأحداث في الملف الأمني قاربت الـ ١٠ أعوام وخلال تلك الفترة من التعامل مع معظم الهيئات وكافة المؤسسات أجزم أن المؤسسة الامنية من المؤسسات الاولى التي تحاسب أفرادها وتردع اخطاءهم بكل قوة وحسم وكذلك الضباط ورجال الشرطة من اكثر الفئات إرهاقًا وبذلًا للجهد فحينما تجد أن ساعات عمل ضابط المباحث يوميًا من تتخطى ١٤ و١٦ ساعة ما بين بلاغات وتشريفات وخدمات ومرورات امنية وفض مشاجرات وملاحقة خارجين عن القانون وبلطجية ومطاردة ذوي السوابق، أضف إلى ذلك جمع معلومات جديدة عن المستجدين في عالم الجريمة ومواجهة الشائعات والتعامل بحنكة وهدوء مع القيادات وطاعة كافة الأوامر.تلك الأمور وغيرها من ظروف إنسانية خاصة وحياتية يومية تفوق طاقة الضغط الطبيعية للبشر ومع ذلك فيكون الخطأ الاول هو الخطأ الأخير لرجل الشرطة فهو يُجازى أكثر من مرة، الاولى من قياداته في العمل والثانية في دائرته خاصة حينما يُنقل أو يُوقف والثالثة من الجهات القضائية، فلك ان تتخيل العدد المحال للتحقيق خلال الفترة الماضية.يا سادة، الإشاعات ونشر الإحباط والتشاؤم فيروس يأكل الأمم ويثبط الهمم ويهدم أي إنجاز.لذلك نزلت الآية الكريمة " إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ".
مشاركة :