خطيب جامع الخالد الشيخ عبدالله المناعي: ما أكثر الخلافات بين الناس بسبب سوء الظن!

  • 11/10/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تحدث فضيلة الشيخ عبدالله بن سالم المناعي خطيب جامع الخالد بالمنامة في خطبته ليوم الجمعة أمس عن أهمية التحصين الداخلي للأمة قائلا: إن معظم ما تعيشه الأمة الإسلامية -اليوم- من مشاكل الحياة إنما هو بسبب ضعف التحصين الداخلي المبني على القواعد الشرعية المبثوثة في الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم. وقد وقفنا من ذلك على عنصر الأخوة الإسلامية، الذي اعتبرناه إكسير العلاقات الطيبة بين المسلمين، وسبيل نشر الود والمحبة بينهم، وطريق الإصلاح الاجتماعي، والاقتصادي، والتربوي، والنفسي لأبناء الأمة الإسلامية. وتعميقا لسلامة هذه العلاقة المتينة بين أفراد مجتمعاتنا، وتقليصا لأسباب الخصام والشجار بينهم، وإصلاحا لكثير من مشاكلهم اليومية، نريد وضع اليد على صفة أخرى جديرة بتحقيق كل ذلك، إذا استطعنا أن نملك من خلالها نفوسنا، ونتملك خيوط الفضول فينا، وهي صفة «حسن الظن بالناس»، وحسن الظن نية سليمة من القلب لكافة البشر، وكما نشاهد في جميع مناطق المملكة العزيزة من نشر أسماء وصور المرشحين والمرشحات في جميع المحافظات بمملكتنا العزيزة للتعرف على برامجهم وتطلعاتهم للانتخابات المقبلة، ونحن على وعد لهذا العرس الانتخابي في البلاد لنلبي الواجب، فإنه من الواجب نعم لأنه من ضمن المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله. وأضاف أن المجتمعات على مر التاريخ تعاني من داء فتاك سريع الانتشار في المجتمع بين الأسر والأقارب وذوي الأرحام فيقتل ويمرض ويفرق بين الزوجين، انه مرض الغيبة والنميمة والبهتان، فكم من كلمة قتلت صاحبها وكم كلمة فرقت بين عشيرتين وكم من كلمة فرقت بين زوجين، والغيبة والنميمة والبهتان من موبقات الآثام، والغيبة ذكرك أخاك في غيبته بما يكره سواء كان بكلام أو بإشارة أو همزا أو بلمز أو بكتابة مما يؤثر على سمعة المرء في دينه وخلقه وهيأته وحسبه ونسبه ووظيفته ومركبه، ولخطورة هذا المرض وسهولة انتشاره وضرره على المجتمع أنزل الله له علاجا في كتابه وسنة رسول نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فمن استعمل هذا العلاج وواظب عليه حفظه الله وشفاه قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا» (سورة الحجرات - 12). إنه نص قرآني حكيم وصف الغيبة بما تشمئز منه النفوس، وهذا حبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوجه نداء لمن أصيب بهذا الداء فيقول: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته) أخرجه الترمذي. وأردف: فما أكثر الخلافات بين الناس بسبب سوء الظن؟ كم جرّ من الويلات على الأصدقاء ففرق بينهم، وعلى أفراد الأسر فشتّت شملهم، وعلى الجيران فخاصم بينهم، وعلى الطوائف فأشعل الحرب بينهم، وعلى زعماء الدول فزرع المؤامرات والفتن بينهم.. ولو حسن ظن بعضهم ببعض لاستحالت العداوة أخوة، والمؤامرة مؤازرة، والخصومة محبة، والفتنة سلما وأمنا وسعادة. حسن الظن هو: ترجيح جانب الخير في أخيك على جانب الشر، أن تنشر حسناته، وتستر عوراته. قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ». قال ابن كثير رحمه الله: «يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأقارب والأهل والناس في غير محله، فَيَجتنب كثيرا منه احتياطا». وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَنَافَسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» متفق عليه. وفي قوله: «إياكم» تحذير شديد من هذا المرض القلبي الخطير، الذي يفتك بنفس صاحبه، ويحمله على الكبر والاعتداد بالنفس، التي يجعل منها قاضيا يحكم على الناس، وكأنها مبرأة من كل عيب حتى تراقب عيوب الناس. قال الغزالي رحمه الله: «اعلم أن سوء الظن حرام مثل سوء القول، فكما يحرم عليك أن تحدث غيرك بلسانك بمساوئ الغير، فليس لك أن تحدث نفسك وتسيء الظن بأخيك.. وسبب تحريم سوء الظن أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب.. وما لم تشاهده بعينك، ولم تسمعه بأذنك، ثم وقع في قلبك، فإنما الشيطان يلقيه إليك، فينبغي أن تكذبه، فإنه أفسق الفساق».. ذلك أن حرمة المؤمن عند الله عظيمة، لا يجوز انتهاكها ولا تقحمها. استمع إلى النبي -صلى الله عليه واله وسلم- كيف يفضل حرمة المؤمن على حرمة الكعبة قبلة المسلمين، ويقول: «مرحباً بكِ من بيتٍ، ما أعظمَكِ، وأعظمَ حرمَتَكِ! ولَلْمؤمنُ أعظمُ حرمةً عند اللهِ منكِ، إن اللهَ حرّم منكِ واحدة، وحرّمَ مِنَ المؤمنِ ثلاثاً: دمَه، ومالَه، وأن يُظَنَّ به ظنُّ السُّوءِ». لقد حسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مادة سوء الظن بالمسلم، وأعلم المسلمين أنها مما يزرع في النفس الوساوس والاتهامات بالباطل. فعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَي - زوج النبي -صلى الله عليه واله وسلم- قَالَتْ: «كَانَ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم مُعْتَكِفًا، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً، فَحَدَّثْتُهُ، ثُمَّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي، فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم أَسْرَعَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ». فَقَالاَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ». قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا» متفق عليه. إن أصحاب القلوب النظيفة يشتغلون بعيوبهم، ويُقوِّمون اعوجاج نفوسهم، ولا يلتفتون لتتبع أحوال الناس: أين خرجوا؟ ومتى سافروا؟ وماذا عملوا؟ وكيف تملكوا؟ وماذا لبسوا؟ لهم من ذنوبهم شغل يحجزهم عن الفضول الذي يغذيه الفراغ، وقلة العلم، وضعف الإيمان، ويوقع في الإثم. يقول رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا: الاِسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ» صحيح سنن أبي داود. بل إن هذا الفعل المشين يوقع في ضد نية صاحبه. قال بكر بن عبدالله المزني: «إذا أردت أن تنظر العيوب جملة، فتأمل عيّاباً، فإنه إنما يعيب الناس بفضل ما فيه من العيب». وقال أيضا: «إذا رأيتم الرجل موكلا بعيوب الناس، ناسيا لعيبه، فاعلموا أنه قد مُكِـرَ بِه». و«من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» صحيح سنن ابن ماجة.

مشاركة :