الشيخ عبدالله المناعي خطيب جامع الخالد: المقصـود من رمـضان أن نجعله خطـوة نحو التـغـــيـيـر

  • 4/13/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تحدث خطيب جامع الخالد بالمنامة الشيخ عبدالله بن سالم المناعي أمس في خطبة الجمعة عن فضائل شهر شعبان والاستعداد لشهر رمضان المبارك وقال: خلقَ الله الثَّقَلَين لعبادته، وهو سبحانه غنيٌّ عنهم ولا غِنى للخلق عنه؛ فهو الذي يكشِفُ ضرَّهم وهو الذي ينفعهم، وأمرَ الرُّسُلَ بالعمل الصالح، ووصفَ الله صحابة نبيِّنا محمد -صلى الله عليه وسلم- بكثرة التعبُّد، وظهر أثرُ ذلك على جوارِحهم، والعبوديةُ لله شرفٌ عظيمٌ، ولمنزلتها دعا سليمان عليه السلام ربَّه أن يكون منهم، فقال: «وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ» [النمل: 19]. وكان نبيُّنا صلى الله عليه واله وسلم إذا رفعَ رأسَه من الركوعِ قال: «أحقُّ ما قال العبدُ، وكلُّنا لك عبدٌ»، رواه مسلم. وكلُّ مُسلمٍ يُعاهِدُ ربَّه على القيامِ بهذه العبادة في صلاته المفروضة في اليوم سبعَ عشرة مرَّة، يقول: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» [الفاتحة: 5]. ومن حقَّقَها ونشأَ على الطاعة والصلاح أظلَّه الله في ظلِّ عرشه، قال عليه الصلاة والسلام: «سبعةٌ يُظِلُّهم الله في ظِلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه..»، وذكرَ منهم: «.. وشابٌ نشأَ في عبادة ربِّه»، متفق عليه. والعبدُ الصالحُ يدعُو له كلُّ مُصلٍّ بالسلامة من الآفات والشُّرور، فإذا قالَ المُصلِّي في التشهُّد: «السلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين»، قال عليه الصلاة والسلام عن ذلك: «أصابَت أي: الدعوة كلَّ عبدلله صالحٍ في السماء والأرض»؛ متفق عليه. وأضاف كان النبي صلى الله عليه واله وسلم يُكثِرُ من صيام شعبان توطِئةً لصيام أفضل الشهور، قالت عائشةُ رضي الله عنها: «ما رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه واله وسلم في شهرٍ أكثرَ منه صيامًا في شعبان»، متفق عليه. ومن كان يصومُ من أول شعبان فله أن يصُوم في نصفِه الأخير، ولم يثبُت عن النبي صلى الله عليه واله وسلم في فضلِ شعبان شيءٌ سِوَى الإكثار من صومِه، وليست فيه ليلةٌ فاضلةٌ لا في أوله ولا مُنتصفه ولا آخره. نعم ايها الإخوة الصيام في شعبان مما لا شك فيه من افضل العمل والتطوع لأنه تدريب على الصيام والقيام في رمضان المبارك كما قال الإمام بن رجب الحنبلي رحمه الله، صوم شعبان كتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاد ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل علينا الشهر الفضيل ونحن قد استعددنا بقوة ونشاط. وخيرُ الهدي ما شرعَه نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه واله وسلم والمُوفَّقُ من جمعَ بين إخلاصِ العمل لله والاقتداء بالنبي صلى الله عليه واله وسلم . وفضَّلَ شهرًا في العام على بقية الشهور، فبعثَ فيه رسولَه وأنزلَ فيه كتابَه، يرتقِبُه المسلمون في كل حولٍ وفي نفوسهم له بهجة، يُؤدُّون فيه رُكنًا من أركان الدين، جعله الله ميدانًا يتسابقُ فيه المُتنافِسون بأنواع الطاعات والقُرُبات، وخصَّه بليلةٍ مُباركةٍ تتنزَّلُ فيها الملائكة، والعملُ فيها خيرٌ من ألف شهرٍ. نعم أيها الإخوة معاشر المسلمين ولشرف رمضان، من أخلصَ صيامَه لله ابتغاءَ الثواب غُفِرَ له ذنبُه، قال عليه الصلاة والسلام: «من صامَ رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه»، متفق عليه. والقرآنُ العظيمُ كلامُ ربِّ العالمين، وصفَه الله بالنور والبركة والهداية، من تلاه نالَ من البركة والضياءِ بقدرِ قُربِه منه، والماهِرُ بقراءته مع الملائكةِ السَّفَرة الكرامِ البَرَرة، ومن قرأَه تضاعَفَت له الأُجُورُ بقدر ما رتَّلَ من الحروف، والقرآنُ أُنزِل في رمضان، وتتأكَّد تلاوتُه فيه، وكان جبريلُ عليه السلام يُدارِسُ النبيَّ صلى الله عليه واله وسلم فيه. والصومُ مظنَّةُ إجابة الدعاء؛ قال عليه الصلاة والسلام -: «ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتُهم: الصائمُ حتى يُفطِر، والإمامُ العادلُ، ودعوةُ المظلوم يرفعُها الله فوقَ الغَمام ويفتحُ لها أبوابَ السماء ويقول: وعِزَّتي لأنصُرنَّكِ ولو بعد حينٍ»، رواه الترمذي. وشهرُ رمضان شهرُ الفقراء والمساكين، يرقُبُونَه عامًا بعد عامٍ لينالُوا فضلَ الله فيه، فلا تردَّ ذا مسكنةٍ أو متربةٍ، أيها الغني الميسور ابذُل الكفَّ فيه بالعطاء، ومُدَّ اليدَ فيه بالكرم والسخاء، وكان النبي صلى الله عليه واله وسلم أجودَ ما يكونُ في رمضان. ومن أغدقَ على عباده منحَه الله من فضله خيرًا مما بذَل، «وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ» [سبأ: 39]. ورمضانُ غنيمةُ التائبين؛ فنفحاتٌ من التواب الغفورِ فيه في ليله ونهاره، أغلقَ فيه أبوابَ النيران، وفتحَ أبوابَ الجِنان ليعود العبادُ إليه بالتوبة والإنابة. فعلى المُسلم أن يصدُقَ فيه مع الله ويتوبَ إليه مما اقترفَتْه جوارِحُه من السيئات، وأن يفتحَ صفحةً مُشرِقةً مع مولاه؛ فالمعصيةُ لا تأتي بخيرٍ قطُّ. والمحرومُ من فرَّط في دُرَر لحظات رمضان وحرمَ نفسَه العملَ في لياليه، وبارزَ اللهَ فيه بالعِصيان؛ بنومٍ عن الصلاة المفروضة، أو سهرٍ على المُلهِيات والمُحرَّمات. والصومُ ليس امتناعًا عن الأكل والشربِ فحسب؛ بل شُرع لتحقيق التقوى: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» [البقرة: 183]، فصومُ الجوارِحِ واجبٌ بحفظِ اللسان عن المُحرَّمات؛ من الكذبِ، والغِيبة، وغضِّ البصر عن النظر إلى ما نهَى الله عنه؛ قال عليه الصلاة والسلام: «من لم يدَع قولَ الزورِ والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدَعَ طعامَه وشرابَه»، متفق عليه. عباد الله إنه قد مرّ علينا أحد عشر شهرا، الله وحده أعلم ما أسلفنا فيها، الله وحده أعلم بالذنوب التي تراكمت على أظهرنا، وبالخطايا التي سودت صحائفنا، وبالتقصير والإهمال الذي انتاب أيامنا وليالينا. وهذا شهر عظيم مبارك قد أظلنا، فلنستقبله بإخلاص القلب وتصحيح النية وتجديدها، والإقبال على الله، والعزم على التوبة من جميع الذنوب والمعاصي، فلنحرص على استقبال رمضان، ولنحسن استغلال أيامه ولياليه فيما يقربنا من مولانا، ولنتعرض لنفحات ربنا، ولا نكن ممن همهم في استقباله بتنويع المأكولات والمشروبات، وإضاعة الأوقات والصلوات، فسرعان ما تمر وتنقضي الأيام، حتى يقال، انتهى رمضان، فعندها يفوز أهل الطاعة ويندم المفرطون وأهل العصيان. فهذا زمن المصالحة، هذا أوان التجارة الرابحة، فلنبادر في هذا الشهر إلى كل خير ممكنٍ مستطاع، فإنه مَن ربح وفاز في هذا الشهر فذلك الفوز العظيم، ومن حُرم وخسِر فذلك الحِرمان والخُسران المبين. المقصود من رمضان أن نجعله خطوة نحو التغيير، خطوةً نحو التغيير لمن كان مفرطًا أو متهاونا أو مضيعا للصلاة، خطوةً نحو التغيير لمن هجر القرآن الكريم، هجره أحد عشر شهرا، خطوةً نحو التغيير للغارقين في بحور الذنوب والمعاصي بأن يسارعوا بالتوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، خطوة نحو التغيير لمن اعتاد الكذب بأن يعتاد الصدق ويتحلى به، فمن لازم الصدق وتحرى الصدق كُتب عند الله صديقا، خطوةً نحو التغيير لمن اعتاد تسخير جوارحه في الحرام، بأن يحفظها ويسخرها في طاعة ومرضاة الله، خطوةً نحو التغيير لمن كان مخاصما لأحد من الناس بأن يعفو ويصفح ويحسن، خطوةً نحو التغيير لمن قَطَعَ رَحِمَه بأن يصلها، فمن وصل رحمه وصله الله ومن قطعها قطعه الله. فإن لم تتغير النفوس وتنضبط في رمضان، فهل عساها أن تتغير وتنضبط بعده؟

مشاركة :