فيتامين «د» ليس الشمس وحدها هي مصدره -كما يظن الكثير- إنما الغذاء ممثلاً في أنواع محددة منه، مثل الأسماك، وزيت كبد الحوت، والبيض، ومنتجات الألبان، كلها تمد الجسم بهذا الفيتامين، وهذا من رحمة الله بعباده، ودقة معرفته سبحانه وتعالى باحتياجات خلايا جسمه، وإلاّ كيف يمكن لسكان المناطق التي تنعدم، أو تندر فيها الشمس أن تكوّن فيتامين «د»، وكذلك رحمته سبحانه وتعالى بالفقراء والمساكين، حيث جعل للجسم البشري قدرة عجيبة في تكوين هذا الفيتامين من الشمس، بأن جعل له مصانع خاصة تحت الجلد، تعمل على إنتاجه عند تعرضها للشمس، ولذلك يطلق عليه اسم فيتامين الشمس، والجمع بينهما أي اكتساب فيتامين «د» من الغذاء والشمس معًا هو الطبيعي. إن أحد الإشكاليات الكبيرة في مرض السرطان أعاذنا الله وإيّاكم منه أنه إلى الآن لم تعرف أسبابه ١٠٠%، وحتى نظرياته التي تدرس، وأبحاثه التي تُنشر، لا تزال تشفّر فقط عن شيء من أسراره الدفينة، ولا يزال العلماء يسبرون أغوار مجاهله وجيناته، وقد شرحتُ بالتفصيل ذلك في بعض كتبي، وليس شرطًا أن يكون كل سرطان سببه الناحية الوراثية، كما أن من المؤكد في نفس الوقت أن الاستعداد الجيني (الوراثي) له دور في التعجيل بظهور بعض أنواع من السرطان، وأن هناك أسباب خلف هذا التعجيل، من أهمها الناحية التغذوية والكيميائية للخلايا، وهذا ما قد يفسر به الباحثون ظهور بعض أنواع من السرطانات، وللتأكد من هذا التفسير يلجأ الباحثون إمّا إلى الدراسة التجريبية المعملية، أو إلى الدراسة العلمية الإحصائية، ومن دراسات النوع الثاني ما تمت دراسته حديثًا على يد الدكتورة فاطمة يوسف في مرحلة الدكتوراة، ونُشر في مجلة أمريكية متخصصة في التغذية هي: American journal of clinical nutrition، وهي حصيلة بحثها لمرحلة الدكتوراة، حيث من أهم ما توصلت إليه الباحثة أن هناك ربطًا بين سرطان الثدي وفيتامين «د»، هو أن النقص الحاد لهذا الفيتامين ظهر على حالات الدراسة للمصابات بهذا المرض، بينما العكس كان في اللاتي لم يصبن بالمرض، حيث مؤشر الفيتامين كان أعلى، وقد أعزت الباحثة النقص في فيتامين «د» إلى دكانة البشرة، حيث إنها تُقلِّل من الاستفادة القصوى من الشمس في إنتاج الفيتامين، وإلى كثافة الملابس، حيث تحجب أكبر كمية من الشمس للاستفادة منها في الحصول على فيتامين «د». إن ظاهرة نقص فيتامين «د» ليست مقصورة على النساء، كما أنها ليست مُفسّرة فقط لمرض واحد، كما هي الحال في دراسة الدكتورة فاطمة، فهناك ظهور لأمراضٍ أخرى يربطها بعض الأطباء بنقص هذا الفيتامين، مثل الكساح لدى الأطفال وكذلك الربو.. ويبقى السؤال: هل كل من يعاني نقص في هذا الفيتامين حتمًا أن يصاب بسرطان الثدي؟! الإجابة طبعًا لا، لأن هناك العديد ممّن لديه نقص في فيتامين «د» ليس مصابًا، لأن حتمية تحوّل الخلايا من طبيعية إلى سرطانية لم يثبت تجريبيًّا أن سببه هذا النقص في فيتامين «د»، إضافة إلى أن الاستعداد الجيني (الوراثي) له دور في التحوّل الخلوي السرطاني، وهذا ما يُفسِّر وجود نساء لديهن نقص في فيتامين «د»، لكن غير مصابات بسرطان الثدي، كما أن هناك الجهاز المناعي ومتانة قواته وجنوده، وهناك السلوك الغذائي، وهناك ظروف الحياة وضغوطها، وهناك التأثير البيئي، وليس فيتامين «د» إلاّ مؤشر من مؤشرات المظاهر البيوكيميائية المصاحبة لبعض الأمراض، التي من ضمنها سرطان الثدي. Prof.skarim@gmail.com
مشاركة :