يعجبني في الأخ الفاضل والزميل العزيز الدكتور/ هاشم حبشي حماسه الشديد لاكتشافات (النانو) التي تتم على أيدي علماء وشباب سعوديين، وهو يتحفني باستمرار بهذه الأخبار المشجعة المبهجة. وللعلم فهو ممن أسهموا في استخدام تطبيقات النانو في صحون المطاف الدائرية المؤقتة المرتفعة حول الكعبة المشرفة، فكان له فضل السبق العلمي وفضل الموقع المكاني. بيد أن لدي ملاحظات وليست اعتراضات على ما نحسبه اكتشافًا، وهو لم يزل فكرة أو نظرية أو لنقل نجاحًا في (داخل المعمل). تلكم الخطوة الأولى، ودونها خرط القتاد حتى تصبح واقعًا ملموسًا وتطبيقًا تجاريًا ناجحًا. من المعلوم أن نسبة عالية تتجاوز 95% من الاكتشافات (أو ما يُعتقد أنها اختراعات ذات حقوق ملكية فكرية) تنتهي إلى طريق مسدود لأسباب عديدة منها عدم قابلية الفكرة للتطبيق لأن التكلفة عالية، أو لأن ثمة بدائل أفضل وأرخص أو لأن النظرية في واد بعيد عن وادي التطبيق. وفي عالم النانو اليوم (كما في غيره من الميادين العلمية) مئات بل ألوف الأفكار الجميلة المبدعة من الناحية النظرية، لكن تحويلها إلى واقع يصطدم بكثير من العقبات والعوائق العلمية والاقتصادية. ومن صيحات (النانو) الأخيرة ما يُزعم عن ابتكار علماء أمريكيين لما أسموه (قميص نانوي) خفيف الوزن عظيم التدفئة. وهو حسب قول مكتشفيه مصنوع من مزيج القطن ومحلول (نانو الفضة). الفكرة هي (تشرّب) القطن للمحلول النانوي الفضي حتى يتشبّع القميص القطني بأسلاك خفية مبثوثة في نسيج القطن (الحياة 10 يناير). وأما توفير الدفء فيتم عبر أصبع بطارية بطاقة فولت واحد فقط ينتشر بفضلها التيار الكهربائي في النانو فضة لترتفع حرارة القميص إلى 40 درجة مئوية ولو في عز الشتاء والجليد. وحتى يصل القميص إلى هذه المرحلة المتقدمة لابد وأن يكون قد مرّ على مراحل متعددة أولها وأيسرها (الاكتشاف) المبني على فكرة وتخصص ودراسة. أما المراحل اللاحقة فهي أحيانا أكثر أهمية، وتتطلب ولادة الفكرة في بيئة سابقة في الصناعات الأخرى الضرورية لتطبيق الفكرة. تطبيقات النانو في صناعة السيارات مثلا تتطلب وجود صناعة متقدمة للسيارات. المشوار الفعلي ليس قصيرًا أبدًا. salem_sahab@hotmail.com
مشاركة :