الفائض في الصورة - نجوى هاشم

  • 1/22/2015
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

لم أستطع أن أشاهد يوتيوب تنفيذ حكم القتل تعزيراً بحق السيدة البرماوية في مكة المكرمة منذ أيام ورغم أنه وصلني من عدة جهات إلا أنني بطبعي لا أحب مشاهدة هذه الصور المؤلمة والموجعة.. وأستغرب هذا الولع المتطور لدى المجتمع لتصوير هذه الصور ونشرها وتبادلها وفتح حكايات ليس في القضية أو الأسباب التي أدت إلى الحكم ولكن في وصف التنفيذ وإعادة شرحه..! وقد استوقفني المشهد وكيف سمح لنفسه من قام بتصويره أن يتعدى على حرمة امرأة أخذت جزاءها وذهبت إلى خالقها.. والغريب أن الناس وفي خضم متعتها كعادتها بالموت والذي أصبح جزءاً من المشهداليومي في كل العالم.. لم تسأل : من صورمشهد تنفيذ الحد؟.. وهل يجوز تداوله؟ ولماذاالناس تتداول صورا تأثم عليها من شخص إلى آخر.. وكأنها تهديه الحياة ؟ السبت الماضي ألقت شرطة العاصمة المقدسة القبض على مصور المشهد حيث تبين أنه أحد رجال الأمن المعنيين بمهام التنظيم.. وتم التحقيق معه وسيخضع لمحاكمتين كما قال المصدر الأولى مسلكية عسكرية.. والثانية شرعية بعد إحالته لهيئة التحقيق والادعاء العام .. وشدد المصدر على حفظ حقوق الإنسان وإن كان جانياً وإن ما قام به رجل الأمن عمل مرفوض تماماً لاسيما وأن وزارة الداخلية تكتفي بإعلان الحكم عبر وسائل الإعلام وتؤكد حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين على استتباب الأمن وتحقيق العدل وتنفيذ أحكام العدل في كل من يتعدى على الآمنين وردع وتحذير كل من تسول له نفسه الإقدام على هذه الأفعال بأن العقاب الشرعي سيكون مصيره..! أعتقد أن وزارة الداخلية تحركت بسرعة بعد شكوى أهل المرأة من تضرر الأسرة وأبنائها من تداول المقطع وصوتها وهي تصرخ .. هذا أولا ً.. وثانياً سرعة الوصول للمصور ... وثالثاً وهو الأهم أن يكون أحد رجال الأمن الذي يعرف القانون وتطبيقه وحدود ما ينبغي أن يتحرك داخله.. وكيف ترك عمله في التنظيم و نشغل بالتصوير لمشهد ستثنائي وكأنه مصور محترف ليحصل على سبق وينشره بسرعة.. رابعاً وهو الأهم الردع الذي تتخذه وزارة الداخلية من خلال هذه المحاكمات له لأن جريمته مزدوجة حيث كان المسؤول عن حماية المشهد وايضاً غياب الوعي في التعامل مع الصورة حتى وإن نجح في التصوير فكان عليه الاحتفاظ بها بدلا ًمن نشرها..! ولكن هل يوجد لدينا قانون يجرم تصوير الآخرين بدون إذنهم ؟ وهل هذه القوانين سارية المفعول في العالم ؟ مبدئياً نأتي إلى ما هو أهم من العقاب وهو الإسراف في التصوير غيرالمسموح لكل شيء.. وكأنه أصبح هاجساً لدى البعض.. يتجاوزون من خلاله كل القيم والمبادئ واحترام خصوصية الآخر مع التسبب الكامل في الأذى والتجريح لأشخاص وعائلات وأسر آمنة بتصوير مناسباتها أو لحظات خاصة لأشخاص آمنين في منازلهم أو جلساتهم الخاصة ومن ثم تسريبها بطريقة تهدد الكيان الاجتماعي وتفتح شرخاً في مفهوم القيم والخصوصية التي فلقنا العالم بها والتي لايمكن أن يرتضيها الشخص الذي قام هو بالتصوير..! في مجتمعنا تحولت الصورة إلى تصوير مرضي وتعدت شراهتها المعتاد فكل شخص يصور الآخر ويعتدي على حريته.. يصور أفراح آخرين وينشرها.. حتى من يحتضر لم يعد يسلم من التصوير.. أعرف سيدة أرسلت صورة والدها وهو يحتضر قبل موته بدقائق .. انشغلوا بالتصوير وأرسلت للقروبات.....أين حرمة الموت؟ عائلة صورت والدها في المستشفى، يوتيوب طويل قبل وفاته تسأله فيه قبل أن تغادره روحه عن بعض ممتلكاته وأين يحتفظ بها؟ وبعض الأراضي وما كتبه لزوجته الثانية؟ في مشهد تقشعر له الأبدان وبدم بارد حتى ودع الحياة..! وما بين تصوير الأموات والأحياء وبعيداً عمن اعتاد أن يصور نفسه ويبثها يوتيوب وهو يأكل وهو يشرب، وهو يتحدث مع الآخرين نأتي إلى العقوبات التي ينبغي أن تطبق على هؤلاء الملقوفين والذين يتعمدون الإساءة إلى الآخرين الآمنين وهل نطبق نحن كغيرنا من الدول عقوبات التعدي على خصوصية الآخرين وتصويرهم دون إذنهم؟ أغلب الدول تطبق السجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات والغرامة المالية المتوسطة لكل من يتعمد المساس بحرمة الحياة الخاصة للأشخاص بأي تقنية كالتقاط صورة أو فيلم أو نقل مكالمة أو حديث بدون إذنه.. وفي دولة الإمارات قد تصل الغرامة إلى نصف مليون درهم.. أما في أوروبا وأمريكا فالمصور للنجوم أو العاديين في حال عدم التسوية بين الصحيفة أو المحطة والشخص المتضرر قد تدفع مؤسسته مبالغ مهولة بالملايين كعقاب على كسر خصوصية الآخر.. ! وأعتقد أن ما قامت به وزارة الداخلية تجاه أحد منسوبيها يعزز بدون أدنى شك للآخرين البحث عن حقوقهم تجاه من تعدوا على خصوصيتهم دون إذنهم والتقدم بشكاوى عليهم ونشرها والإعلان عنها حتى يتوقف مثل هؤلاء عن هذه الممارسات السيئة التي لاتحترم الآخر... وتتماشى مع انعدام الوعي وضعف الوازع الأخلاقي والاهتمام بردة فعل من يشاهد الصورة على اعتبار أنه نجح في التسريب رغم كل المحاذير..! أخيراً ينبغي أن يكون القانون الخاص بذلك أكثر وضوحاً وقدرة على تحجيم مثل هذه الممارسات الرديئة.. وغير الأخلاقية..!!

مشاركة :