الصورة هي الأمل - نجوى هاشم

  • 12/6/2015
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

صورة المعلم الياباني الذي يقف في العراء بين الأنقاض بعد شهر من انفجار قنبلة هيروشيما وتدميرها لكل شيء.. في سبتمبر م وهو يعلّم طلابه بين الأحجار المتناثرة.. وبقايا الدمار الممتد.. وتلك الملامح التي تعكس قيمة ماكان وماسوف يترتب عليه.. يقف المعلم واثقاً هادئاً.. أمام ما لا يقل عن ثلاثين طالباً.. يمنحهم الأمل في الغد.. رغم أن كل ماهو حول الصورة يُدمي بغزارة.. وهم يستقبلون هذا الأمل ويعيشونه بمخيلة متسعة تكمن أهميتها.. بالتخيل.. للقادم.. للمستقبل.. ملامحهم الطفولية الهادئة.. التي تعيش لحظتها الآنية بين مسيرة الخواء والخراب.. والصور الصادمة التي غابت عنها مدينة كاملة بناسها ومقومات الحياة فيها.. هي في النهاية خلاصة الصورة التي قادها المعلم الياباني وآصبحت بعد عاماً من الصور المؤثرة في التاريخ العالمي وأيضاً في تاريخ الحضارة اليابانية والوجه الآني لليابان.. وهي أنه "من أراد العمل فبإمكانه ذلك مهما كانت الظروف ومن أراد التأفف فسيفعل ذلك مهما وفّرت له من ظروف"..! تلك الصورة المؤثرة.. التي بعد ذلك عكست حكاية عمل ممتد وحكاية رغبة جارفة في أن تكون أو ماتريد أن تكونه رغم كل الملابسات التي تحيط بك.. وحكاية أمة استطاعت أن تنهض من الدمار وتتجاوزه.. واستطاعت أن تبني وتعيد البناء.. بقوة وصلابة وتماسك وربما أفضل من سابقه.. خاصة وأنّ تلك الصورة كرست لمفهوم النهوض من الدمار والحرب والاتجاه نحو السلم والسلام والقوة الاقتصادية والنفوذ الإنساني القوي.. رغم أنّ ذلك المشهد وفي تلك اللحظة وبالذات للشخص اليائس لم يكن يسمح بأي تفكير إيجابي.. أو ملامح حلم يكسر القهر والعجز.. ويحمل إلى ذلك المرفأ البعيد لتشعر بأن هناك ما يمكن أن تعوّل عليه أو تنطلق منه.. وتصل لو أردت..!! الصورة وفي خضم الهزيمة والاستسلام هي وميض للحياة.. ونهوض سريع رغم شدة الضربة وقوتها وقسوتها.. نهوض ليس للتجاوز السريع ولكن من أجل أن تخرج من وداعة الاستسلام المريع والقاسي.. والذي لم يخلف فقط دماراً في الأرواح والمنازل والبنى التحتية ولكنه خلّف دماراً كاملا ًللنفس والروح وهذا هو الأسوأ والأقسى والأشرس.. تستطيع أن تعيد بناء الحجر.. ولكن لا يمكنك أن تبني الأرواح إن تهدمت.. ولا يمكنك أن تعيد لها بريقها ولمعانها إن تعثرت في البؤس والانكسار.. وتفجرت فيها الثقوب.. وكسرت شفافيتها.. وأخفت بقوة فتنتها بالحياة والأمل والعمل.. ولا يمكنك آيضاً أن تُقنع إنساناً أن ينهض بسرعة وهو ينزف من كل الاتجاهات.. وكل ما فيه ممزق أشلاء.. ورغم أنه قد يحاول لكنه يرى أنّ من حوله قد غابوا والحياة لم تعد هي الحياة.. ولم يعد هناك ما يوحي أنّ هناك حياة كانت أو ستكون.. ومع ذلك وهنا القوة نهض بنفسه دون اتكاء على أحد أو انتظار أحد أن ينهضه.. وهذه هي قوة اليابان الناعمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.. النهوض منفردة رغم صعوبة ذلك.. ورغم أنّ كل ماحولها لا يحفّز على النهوض.. لكن بعد شهر من القنبلة بدأ المعلمون التدريس وبدأ الطلاب في الحضور رغم أنّ الدراسة في الهواء الطلق ولا يوجد بيئة مدرسية فعلية لكن الطالب والمعلم أرادا اختصار الزمن والتسابق معه فلا وقت لدى أيّ منهما ينتظران داخله والوطن يحتاجهما من هذه اللحظة فليبدأ العمل.. كل فيما يخصه.. نجحت اليابان بعد عشرين سنة وأقل في النهوض وبقوة وهزيمة العالم اقتصادياً وهذه قوتها الآن التي غزت بها العالم وتفوقت فيها التكنولوجيا الحديثة والمتقنة وجودة المنتج وعدم مضاهاته لأي منتج آخر.. والجميع يقول صناعة يابانية وهو مايعني أنها ممتازة ورائعة ولا يمكن التفوق عليها.. وهي أيضاً تجربة نجاح بعد مرحلة قاسية.. بدأت من المجهول شكلاً لكنه المعلوم لهم.. بدأت من تركة كبيرة من الفشل والكوارث التي تناثرت تحت أقدامهم ولكنها تحولت بعد جمع الركام إلى تركة نجاح مدوّ من الصعب أن يصل إليها أحد.. وأعتقد أنّ الهدوء الذي صاحب هذا النهوض كان سبباً رئيسياً للنجاح وعدم التباكي على الماضي أو المتاجرة بقضية الكارثة..! هذه الصورة الدرامية التي للمعلم وطلابه تحولت إلى دراما بلاغية.. تذكرتها ونحن في موسم العواصف والأمطار وتقلبات الجو والطلبة والطالبات والأهالي والمعلمين والمعلمات يتسابقون في نشر ثقافة الهروب من المدارس ويسهرون الليل في انتظار إعلان من المسؤولين عن التعليم بغياب يوم غد نتيجة هطول الأمطار.. صورة يقودها المعلم والطالب والأسرة والهدف منها كما هو معلن سلامة الطلاب والمحافظة عليهم.. من السيول والغرق.. خاصة وأننا غير مهيئين لمثل هذه الأمطار.. لا الطالب يريد الدراسة ولا المعلم يريدها والمحصلة صورة لا تحتاج تفسيراً بل إنك لو فسرتها ستزيدها تعقيداً.. هي الصورة المتعاكسة أو المختلفة أو التي أفقها مفتوح على الأمل والحلم.. والمدى.. وتلك التي تنغلق بحثاً عن من يستنفذ لها مفهومها الخاص..!

مشاركة :