محمدو لحبيب يبرز اعتقاد عند بعض النقاد، أنه في الأدب ثمة دوماً بحث عن الذات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فالنص الذي لا يعكس ترسيماً للذات لا يعتد به إبداعياً.وتختلف طرق التعبير عن تلك الذات، فتبدو أحياناً على شكل مذكرات، أو ما يعرف بأدب السيرة الذاتية، وقد تتوزع تلك الذات داخل ثنايا نص سردي روائي أو شعري، فتعبر عن نفسها من خلال حكاية أو موقف. والجديد في الأمر والذي بدأ يظهر في الآونة الأخيرة، هو ما بات يسمى برواية السيرة الذاتية، وهو تصنيف ينطلق من محاولة تقديم الكاتب سيرته الذاتية، من خلال قالب روائي يمتزج فيه الخيال بالواقع بقدر معين، يضفي أجواء حالمة، ومحببة لدى القارئ، تخلب لبّه وتجعله ينطلق متتبعاً مسارات السرد الذاتي دون إحساس منه بأنه يتابع حكاية واقعية عادية، أو ينصت إلى دردشة يمكن أن يسمعها من أحد جيرانه أو معارفه مثلاً.وثمة أمثلة ونماذج عربية عديدة حالياً في رواية السيرة الذاتية، وتعكس بطبيعة الحال تفاوتاً في استخدام تلك التقنية في الحكاية، فمنهم من يجيدها تماماً، ومنهم من يقع تحت طائلة الاستغراق في التوصيف الذاتي فتتحول كتابته إلى مجرد مذكرات شخصية نمطية لا إبداع في سردها.ومن بين تلك النماذج التي يمكن للقارئ الشغوف بمثل هذا النمط الأدبي، الاطّلاع عليها، رواية «رأيت رام الله» لمريد البرغوثي، والتي حصلت على جائزة نجيب محفوظ للإبداع الأدبي عام 1997، وهي سيرة ذاتية للكاتب تمثل رحلة عودته إلى موطنه الفلسطيني المحتل بعد ثلاثين عاماً من الغربة، وقد تُرجمت إلى اللغة الإنجليزية.تقدم الرواية تساؤلات حول الهوية الفردية، والذاكرة الجماعية، والوطن والحنين، والترحال المستمر، ففي أثناء منفاه القسري، انتقل البرغوثي من القاهرة إلى بغداد إلى بيروت إلى بودابست إلى عمّان وإلى القاهرة مرة أخرى.ويصف البرغوثي عبوره من الأردن إلى الضفة الغربية، عبر جسر خشبي متعرج يمتد على نهر مجفف، ويبرز السرد عندئذ موضحاً للاختلاف الذي جاءت عليه تلك الرواية - السيرة الذاتية، عن غيرها من السير الذاتية العادية، ويمكن أن يوضح المقطع الآتي ذلك الاختلاف حين يقول البرغوثي معبراً عن اقترابه من حدود أرضه التي يعود إليها: «ورائي العالم وأمامي عالمي»، ثم يردف في مقطع آخر: «الغريب هو الشخص الذي يجدد تصريح إقامته، هو الذي يملأ النماذج ويشتري الدمغات والطوابع، هو الذي عليه أن يقدم البراهين والإثباتات، هو الذي يسألونه دائماً من وين الأخ؟ أو يسألونه وهل الصيف عندكم حار؟». يمكن للقارئ إذاً من خلال ذلك، أن يستنتج إجابة للتساؤل: لماذا أصبح مثل هذا الأدب مقروءاً جداً، مقارنة مع الرواية أو السيرة الذاتية العاديتين؟. pechike@gmail.com
مشاركة :