قامت شركة صينية ببناء قرية تضم عشرة منازل باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد في أقل من يوم واحد عام 2014. وفي العام الماضي، تم افتتاح امتداد طريق سريع يعمل بالطاقة الشمسية، يحول ضوء الشمس إلى كهرباء، وينقلها مباشرة إلى شبكة الكهرباء في جينان شرقي الصين. وقبل عدد قليل من السنوات، قامت كوريا بتشغيل طريق يعيد شحن المركبات الكهربائية لاسلكيا عبر الإنترنت أثناء سيرها عليه. وهذه مجرد أمثلة قليلة للتقدم التكنولوجي المبهر الذي حققته بلدان مثل كوريا - وأخيرا الصين - في العقود الأخيرة. حتى وقت قريب، كان إنتاج رصيد المعرفة والتكنولوجيا العالمي يتركز في عدد قليل من الاقتصادات الصناعية، الكبرى. وخلال الفترة من عام 1995 إلى عام 2014، أنتجت البلدان الرائدة في مجال التكنولوجيا في مجموعة الخمسة، وهي: الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة - ثلاثةَ أرباع الابتكارات المسجلة كبراءات اختراع على مستوى العالم. لكن مع وجود العولمة والتقدم في تكنولوجيا المعلومات، زادت إمكانات نقل المعرفة بسرعة أكبر وإلى مسافة أبعد زيادة حادة، ما أتاح فرصا أكبر أمام اقتصادات الأسواق الصاعدة للتعلم من بلدان أخرى متقدمة تكنولوجيا وبناء قدراتها الابتكارية. وفي بحثنا، الذي يعتمد على دراسة 2005، نتناول مدى قوة انتشار التكنولوجيا وتطورها على مدى العقدين الماضيين، وتداعيات هذه التطورات على بيئة الابتكار. ويعد الفهم الدقيق لكيفية حدوث هذا الانتشار أمرا غاية في الأهمية؛ فنقل التكنولوجيا هو العنصر الأساس لنشر المعرفة وتحسين الدخل ومستويات المعيشة في جميع أنحاء العالم. عند قيام المبتكرين بتقديم طلبات تسجيل براءات الاختراع لحماية ملكياتهم الفكرية، يجب عليهم الإشارة إلى المعرفة المسبقة ذات الصلة، التي تُبنى عليها ابتكاراتهم، مثل براءات اختراع مبتكرين آخرين. وبالتالي فإن عدد الإشارات المرجعية بين براءات الاختراع المختلفة هو مقياس مباشر لتدفقات المعرفة. وقد تناول بحثنا الإشارات المرجعية التي تم الحصول عليها من قاعدة بيانات البراءات العالمية التي تغطي أكثر من 100 مليون وثيقة من PATSTAT وثائق براءات الاختراع. ولا يخلو هذا المقياس من العيوب، كما لا يرصد جميع تدفقات المعرفة، فهو - على سبيل المثال - لا يغطي تدفقات المعرفة غير الرسمية، وانتهاكات براءات الاختراع التي يصعب قياسها. غير أنه يعد نقطة بداية جيدة لقياس مدى انتشار الدراية العملية عبر البلدان؛ حيث يمكن قياسها وتسجيلها بشكل منهجي. وفي عام 1995، كانت الولايات المتحدة وأوروبا واليابان أكثر بلدان العالم حظوة بالإشارات المرجعية لبراءات اختراعاتها المسجلة، ولكن في السنوات الأخيرة، استخدمت كوريا والصين رصيد المعرفة العالمية بكثافة متزايدة، قياسا إلى ما ورد من إشارات للبراءات الخاصة بهما. وهناك تحليل أكثر منهجية لهذه الإشارات المرجعية بين براءات الاختراع المختلفة - لتقدير كثافة انتشار المعرفة - يبين أيضا أن حصة المعرفة التي تنتشر من البلدان الرائدة في مجال التكنولوجيا في مجموعة الخمسة إلى اقتصادات الأسواق الصاعدة "بخلاف الصين، وسابقا كوريا" قد زادت خلال العقدين الماضيين. وفي المقابل، كانت حصة المعرفة التي تنتقل من مجموعة الخمسة إلى الاقتصادات المتقدمة الأخرى ثابتة بشكل عام، بل انخفضت إلى حد ما منذ الأزمة المالية العالمية. وقد تمكنت اقتصادات الأسواق الصاعدة من الاستفادة من زيادة سهولة الحصول على المعرفة العالمية؛ لتحسين قدراتها الابتكارية وإنتاجيتها، وثبت أن التدفقات المعرفية من مجموعة الخمسة قد أعطت دفعة كبيرة للابتكار المحلي "قياسا إلى عدد براءات الاختراع المسجلة"، والإنتاجية في الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة. فعلى سبيل المثال، تؤدي زيادة التدفقات المعرفية من مجموعة الخمسة بـ 1 في المائة إلى زيادة نشاط تسجيل براءات الاختراع في البلد، القطاع المتلقي بنحو 1/3 في المائة المتوسط إذا تم تثبيت حجم أنشطة البحث والتطوير. وقد زادت قوة هذا التأثير مع الوقت، خاصة بالنسبة لاقتصادات الأسواق الصاعدة. نتيجة لهذا السعي الحثيث للحاق بالركب، ظهر مبتكرون عالميون جدد. ورغم أن النتائج التي توصلنا إليها تنطبق بشكل عام على اقتصادات الأسواق الصاعدة، هناك ما يميز كوريا - وهي اقتصاد متقدم منذ عام 1997 - والصين، ويرجع ذلك جزئيا إلى كونهما اقتصادين كبيرين. فقد انضم كلاهما إلى البلدان الخمسة الأوائل في مجال الابتكار، سواء قياسا إلى عدد براءات الاختراع المسجلة، أو إلى حجم الإنفاق على أنشطة البحث والتطوير. ويرجع هذا النجاح جزئيا إلى التعلم، من خلال نقل المعرفة والتكنولوجيا، ولكن أمكن تحقيقه أيضا عن طريق الاستثمارات الكبيرة في أنشطة البحث والتطوير المحلية، وبصورة أعم عن طريق التعليم الذي عزز من قدرة الأفراد على فهم وتطبيق تلك التكنولوجيا. وتخدم أنشطة البحث والتطوير المحلية غرضا مزدوجا، فهي يمكن أن تشجع على استحداث تكنولوجيات جديدة، وتساعد البلدان أيضا على استيعاب التكنولوجيات الأجنبية القائمة. ووفقا لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي - المصدر الرئيس لهذه البيانات - زادت الصين من إنفاقها على أنشطة البحث والتطوير تسع مرات منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ليصل إلى 375 مليار دولار سنويا "بالقيمة الثابتة والمعدلة حسب تعادل القوى الشرائية". وحاليا يأتي إنفاقها على أنشطة البحث والتطوير في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة "460 مليار دولار"، كما يفوق بكثير إنفاق اليابان "150 مليار دولار". ويقترب إنفاق كوريا، البالغ 70 مليار دولار سنويا من متوسط إنفاق البلدان الأوروبية الكبرى مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة.
مشاركة :