هناك مقياس آخر لصعود نجمي كوريا والصين، وهو نمو نشاط تسجيل براءات الاختراع في كل منهما. فبدراسة مجموعات براءات الاختراع الدولية باستخدام مقياس لعدد البراءات لا يتضمن سوى الطلبات المقدمة إلى مكتبين مختلفين على الأقل لتسجيل البراءات، لاستبعاد البراءات منخفضة القيمة - تبين أن الصين وكوريا تسجل كل منهما نحو 20 ألف براءة اختراع سنويا. ورغم أن هذا العدد لا يزال أقل بكثير من عدد براءات الاختراع المسجلة في اليابان والولايات المتحدة "نحو 60 ألفا في كل منهما"، فإن نشاط تسجيل براءات الاختراع في الصين وكوريا يعادل المستوى المتوسط في فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة. ويبين بحث أعمق حول أنواع البراءات حسب القطاع الاقتصادي، أن زيادة نشاط تسجيل براءات الاختراع في الصين وكوريا واضحة بشكل خاص في قطاعي المعدات الكهربائية والبصرية، وفي كوريا في قطاع الآلات والمعدات أيضا. يُعَد ظهور كوريا وأخيرا الصين، كمبتكرين عالميين، تطورا لافتا للنظر يَعِد برفع مستويات المعيشة لنسبة كبيرة من سكان العالم. ولكن هل تثبط هذه التطورات الابتكار لدى رواد التكنولوجيا التقليديين؟ وهل يمكن أن يكون ذلك قد أسهم في تباطؤ الإنتاجية العالمية؟ لا يتناول مقالنا هذا السؤال مباشرة، لكننا لا نعتقد أن ذلك قد حدث، وفيما يلي الأسباب: أولا: يستفيد رواد التكنولوجيا بشكل مباشر وغير مباشر من تصدير التكنولوجيا والمعرفة، فهم يستفيدون بشكل مباشر من خلال بيع تكنولوجياتهم "سواء كانت متمثلة في الآلات، أو من خلال ترخيص براءات الاختراع" إلى بلدان أخرى. وبطبيعة الحال، يفترض هذا أن حقوق الملكية الفكرية تحظى بالاحترام، حتى يدفع من يحصل على هذه التكنولوجيا سعرا عادلا مقابلها، لكن يمكن لرواد التكنولوجيا الاستفادة أيضا بشكل غير مباشر. فزيادة الإنتاجية في الاقتصادات الأخرى تعني زيادة الدخول، ما يعزز الطلب على الصادرات بشكل أعم، بما في ذلك رواد التكنولوجيا التقليديون. ثانيا: وبصورة أدق، هناك سمة مهمة تميز المعرفة - خلافا لمعظم السلع -، وهي أنها سلعة "غير تنافسية". فمعرفة شخص ما لمعلومات واستخدامه لها لا يمنع الآخرين من معرفتها وإدخال تحسينات عليها. وبالتالي، قد تؤدي المعرفة المكتسبة من الجهود البحثية السابقة - سواء المحلية أو الأجنبية - إلى زيادة إنتاجية الجهود البحثية المستقبلية. ونظرا لأن المبتكرين في الصين وكوريا يستحدثون أفكارا جديدة، ويضيفونها إلى رصيد المعرفة العالمي، فإن المبتكرين لدى رواد التكنولوجيا التقليديين، وبالطبع العالم بشكل أعم، يمكنهم أيضا الاستفادة من تلك المعرفة الجديدة. وتشير البيانات المتعلقة بالإشارات المرجعية بين براءات الاختراع المختلفة إلى أن هذا التراكم السريع للمعرفة ربما أصبح يحدث بالفعل. فعلى سبيل المثال، تتزايد إشارة بلدان مجموعة الخمسة لبراءات الاختراع الصينية. ويقترب حجم هذه الإشارات اليوم من حجم إشارات بلدان مجموعة الخمسة لبراءات اختراع الاقتصادات المتقدمة الأخرى. ويخلص تحليلنا إلى أن المعرفة لا تتدفق في اتجاه واحد فقط من رواد التكنولوجيا إلى البلدان الأخرى. فرواد التكنولوجيا التقليديون يستفيد كل منهم من ابتكارات الآخر، ويحصلون على مزايا أكبر مقارنة بالبلدان "غير الرائدة" الأخرى. ثالثا: كانت المنافسة المتزايدة من الصين واقتصادات الأسواق الصاعدة الأخرى في الأسواق العالمية بمنزلة قوة محفزة لنشر الابتكار والتكنولوجيا. ورغم أن العلاقة بين المنافسة والابتكار معقدة، فإن تحليلنا يبين - بالنسبة لمعظم البلدان والقطاعات - أن زيادة المنافسة - قياسا إلى تغلغل الواردات من الصين، أو انخفاض تركز المبيعات العالمية نتيجة صعود نجم شركات الأسواق الصاعدة - شجعت على الابتكار واعتماد التكنولوجيات الأجنبية. وتستند هذه الأدلة إلى تجربة الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة خارج مجموعة الخمسة، غير أنها تشير إلى أن المنافسة كان لها أثر إيجابي في الابتكار. إن إلقاء نظرة على الاتجاهات العامة للابتكار في الولايات المتحدة، يبين أن الإنفاق الإجمالي على أنشطة البحث والتطوير قد واصل ارتفاعه القوي. ومع ذلك، تظهر بوادر الاستقرار على نشاط تسجيل براءات الاختراع والإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج، لكن من المرجح أن يعكس هذا الانخفاض في نمو الإنتاجية تباطؤا مؤقتا في الابتكار خلال الانتقال بين موجتي ابتكار رئيستين: ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في منتصف تسعينيات القرن الـ20، وثورة "الأتمتة" والذكاء الاصطناعي التي طال انتظارها، ومن المحتمل أيضا أن تكون هناك عوامل هيكلية ودورية أخرى أسهمت في ذلك. والخلاصة، ربما لا يؤدي انتشار التكنولوجيا وظهور مبتكرين عالميين جدد إلى الإضرار بالبلدان المبتكرة التقليدية؛ فقد ظلت المنافسة فترة طويلة محركا رئيسا للإبداع والابتكار، لكن وجود منافسة عادلة ومتكافئة أمر ضروري؛ حيث يجب تصميم وإنفاذ حقوق الملكية الفكرية على نحو ملائم. ويدور عديد من مخاوف بلدان مجموعة الخمسة - خاصة فيما يتعلق بالصين - حول النقل القسري للتكنولوجيا بشروط غير سوقية وغير مواتية مقابل الوصول إلى واحدة من أكبر أسواق العالم وأسرعها نموا. وفي نهاية المطاف، يعد احترام حقوق الملكية الفكرية أفضل سبيل لخدمة الابتكار ونشر التكنولوجيا. ومن دون ذلك، يمكن للعالم أن يشهد تراجعا في الابتكارات عندما لا يتمكن المبتكرون من استرداد ما يتحملونه من تكاليف. ولن تكون حماية حقوق الملكية الفكرية أقل أهمية بالنسبة لاقتصادات الأسواق الصاعدة إذا ما أرادت الاستفادة من نقل تكنولوجيا الشركات متعددة الجنسيات وبراعة مبتكريها. إن الزيادة الهائلة في عدد البراءات الصينية ربما تكون علامة مشجعة على أن الصين - مع قيامها باستحداث ابتكارات عالية القيمة خاصة بها - ستعترف بقيمة حماية حقوق الملكية الفكرية.
مشاركة :