قد تندهش عندما تعلم أن صندوق النقد الدولي يعمل في مجال تقديم دورات مكثفة مفتوحة عبر الإنترنت MOOC وفي الواقع، فإنك قد لا تعلم أنه يعمل في مجال التعليم أصلا. ومن المؤكد أن عمليات الإقراض في الصندوق ومراقبته لاقتصادات البلدان الأعضاء تستحوذ على عدد أكبر من العناوين الرئيسة. ولكن يتضمن أكثر من ربع عمل الصندوق تنمية القدرات، أي مساعدة البلدان الأعضاء على بناء مؤسسات اقتصادية قوية والارتقاء بالمهارات لتنفيذ سياسات اقتصادية كلية ومالية سليمة. ويقدم الصندوق كثيرا من التدريب والمساعدة الفنية من وراء الكواليس لمساعدة البلدان على تحمل الصدمات بشكل أفضل وتجنب الكوارث — وبالتحديد حتى لا تظهر في الأخبار. وتنظم إدارتِي، وهي معهد تنمية القدرات في صندوق النقد الدولي، برنامجا تدريبيا لمسؤولي البلدان الأعضاء عن الاقتصاد الكلي التطبيقي، والقضايا المالية والأطر الإحصائية والقانونية ذات الصلة. وتستخدم دوراتنا المنهج التحليلي الصارم نفسه المستخدم في دورات الاقتصاد الكلي والتمويل التي تدرس في الجامعات، ولكنها تختلف عنها في أنها قصيرة وتركز بصورة أكبر على السياسات، وتستخلص دروسا من تجارب البلدان الأعضاء في الصندوق البالغ عددها 189 بلدا. وتحاول هذه الدورات سد الفجوة بين النظرية الاقتصادية والتنفيذ العملي للسياسات باستخدام دراسات حالة وحلقات تطبيقية تعتمد على البيانات القطرية الفعلية. سمعت لأول مرة عن الدورات المكثفة المفتوحة عبر الإنترنت من خلال أحد حوارات مؤتمرات التكنولوجيا والترفيه والتصميم TED قدمته دافني كولر، مؤسسة شركة كورسيرا، وهي شركة رائدة فيما يتعلق بمفهوم تقديم دورات عبر الإنترنت بالمجان لعامة الجمهور. وقد كنت مولعة بإمكانات الدورات المكثفة المفتوحة عبر الإنترنت المقدمة. فقد كان الفصل الدراسي التقليدي في دوراتنا التدريبية الذي يغطي موضوعات مثل التنبؤ الاقتصادي وتحليل استمرارية القدرة على تحمل الدين، يضم ما يصل إلى 30 مسؤولا حكوميا في الفصل الواحد. وعلى الرغم من أننا كنا نجري الدورات في عديد من مراكز التدريب حول العالم، وندرب من سبعة آلاف إلى ثمانية آلاف مسؤول رسمي في العام، فلم يكن ذلك كافيا لتلبية طلب البلدان الأعضاء في الصندوق. أما من خلال التعليم عبر الإنترنت، فإننا لن نتمكن من الوصول إلى عدد أكبر من الأشخاص فحسب، ولكننا سنستطيع أيضا أن نقدم التدريب بتكلفة أقل بكثير، دون التقيد بالحاجة إلى مرافق مادية وترتيبات لوجستية معقدة. ولذلك تعاونا في عام 2013 مع edX ، وهو اتحاد يقدم دورات مكثفة مفتوحة عبر الإنترنت بدأ نشاطه في جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وأطلقنا من خلاله أول دورة من دوراتنا المكثفة المفتوحة عبر الإنترنت. وكانت هذه الدورة عن البرمجة والسياسات المالية، وهي دورتنا الرئيسية لصناع السياسات في وزارات المالية والبنوك المركزية في جميع أنحاء العالم، وتقدم أيضا في شكل معسكر تدريبي مخصص للاقتصاديين الجدد في الصندوق. وقمنا منذ ذلك الحين بإعداد خمس دورات أخرى مكثفة مفتوحة عبر الإنترنت، بعضها متاح ليس بالإنجليزية فقط، ولكن بالفرنسية والإسبانية والروسية والعربية أيضا. ولكن هل عمل هذا المشروع المشترك كما اعتقدنا أنه سيعمل؟ يمكنني القول إنه كان أفضل من المتوقع، دون أن يعني ذلك أننا كنا نعرف بالضبط في ذلك الوقت ما الذي يمكن أن نتوقعه. ومن المفاجآت السارة أن ضعف توصيلة الإنترنت وانقطاعات الكهرباء لم تكن عقبة رئيسة أمام الوصول إلى الناس في أفقر البلدان. وكانت نسبة 28 في المائة من المسؤولين الحاصلين على شهادات عبر الإنترنت من إفريقيا جنوب الصحراء و 38 في المائة من البلدان منخفضة الدخل. وكان أكبر عدد من المشاركين في دوراتنا من الكاميرون وأوغندا وزيمبابوي إلى جانب البرازيل والهند. وانطلق التدريب عبر الإنترنت بشكل مثير للإعجاب؛ وأصبح يشكل حاليا ما يقرب من ثلث إجمالي برامج التدريب في الصندوق المقدمة للمسؤولين. فمنذ إطلاق أول دورة مكثفة مفتوحة عبر الإنترنت في أواخر عام 2013، جذبت دوراتنا عبر الإنترنت 21 ألف مشارك نشط، واجتاز الدورات التدريبية منهم 6300 مسؤول معرفة حكومي وستة آلاف فرد من الجمهور العام من 183 بلدا، ويدل ذلك على التقدم الجيد نحو هدفنا المزدوج المتمثل في توسيع نطاق تدريب صناع السياسات وتقاسم المعرفة مع الجمهور العام. وعلى الرغم من أنه من الصعب تقدير مدى استيعاب المشاركين لهذه المعرفة واستبقائها وتطبيقها فيما بعد، فإننا نرى بالفعل دليلا على التعلم، حيث يحصل المشاركون في اختبارات نهاية الدورة على 16 نقطة مئوية في المتوسط أعلى مقارنة باختبارات ما قبل الدورة. وهناك نتيجة مثيرة أخرى وهي أن تصميم الدورات المكثفة المفتوحة عبر الإنترنت — التي تشمل محاضرات مسجلة بالفيديو يمكن إيقافها وإعادة تشغيلها، ولوحات جدولية ببرمجية إكسل، ومنتديات حوار مع الطلاب الآخرين وفرص للتفاعلات عبر الإنترنت مع المعلم — يتيح تجربة شخصية رائعة. ويقول لنا بعض الطلاب المشاركين عبر الإنترنت إن هذه الدورات تشبه تقريبا العمل مع مدرس خاص، على الرغم من أن عدد المشاركين في الدورة الواحدة قفز من 30 مشاركا إلى نحو ثلاثة آلاف مشارك في بعض الأحيان. وأخيرا، تعلمنا أن التدريب عبر الإنترنت يكمل أيضا التدريب المقدم وجها لوجه. وهو أكثر فاعلية من التدريب في الفصول الدراسية من حيث نقل المعلومات وبناء مهارات مركزة. غير أنه أقل فاعلية عندما يتعلق بالفروق الدقيقة وتعقيدات صنع السياسات في الحياة الفعلية وإتاحة فرص التفاعل بين الأقران ... يتبع.
مشاركة :