عندما لا تكون مكاسب الإنتاجية الإجمالية كبيرة للغاية، فمن الممكن أن تفوقها وزنا "من منظور مجتمعي" تأثيرات إعادة التوزيع السلبيةـ وهي الظاهرة التي يسميها الاقتصاديان دارون عاصم أوجلو، وباسكوال ريستريبو، إبداع "النصف نصف". تقدم لنا الروبوتات أوضح مثال على هذا التحول المعاكس ضد العمال، ويعمل الذكاء الاصطناعي على توسيع نطاق مجالات حيث من الممكن أن تصبح الصراعات المتعلقة بالتوزيع كبيرة. وكما يشير كورينك، فإن برنامج المحادثة الآلية chatbot الذي يحل محل العمال البشريين يعزز عائدات مهندسي الذكاء الاصطناعي وأصحاب الشركات، بينما يزيح العمال من الحاصلين على تعليم أقل من الجامعي. يتعاظم هذا التأثير في الدول النامية، حيث تشكل العمالة منخفضة التكلفة المصدر الوحيد للميزة النسبية. علاوة على ذلك، لا تكمن المعرفة في البذور أو البرمجيات فحسب، بل أيضا في الأعراف الثقافية. في حلقة النقاش ذاتها التي نظمتها الرابطة الاقتصادية الدولية، تحدث الخبير الاقتصادي ناثان نون، عن نوع زمني مختلف من التباين حيث من الممكن أن تصبح المعرفة والممارسات التي كانت مناسبة لمجتمع ما في وقت ما، عاجزة عن أداء وظيفتها في وقت لاحق. تعمل التقاليد الثقافية على تمرير المعرفة المفيدة إلى أجيال المستقبل. على سبيل المثال، من الممكن أن تساعد الطقوس الدينية على تنسيق زراعة المحاصيل، ومن الممكن أن تعمل تقنيات طهي معينة ينقلها كبار العائلة على توفير الحماية من السموم الغذائية. لكن لأن الأعراف الثقافية تتطور ببطء، فقد تتسبب التغيرات السريعة في المجتمع في إنتاج "تباين تطوري". استنادا إلى عمله مع ليونارد وانتشيكون، يقدم نون مثالا لتجربة إفريقيا الصادمة مع العبودية العابرة للقارات. طورت المجتمعات في إفريقيا التي كانت الأكثر اتصالا بتجار الرقيق انعدام ثقة عميقا بالغرباء، ما جعل لديها ميلا ثقافيا معاكسا لتطوير اقتصاد سوق مزدهر في عالم اليوم. على نحو مماثل، يبدو أن نفور الأمريكيين من إعادة التوزيع يعكس درجة عالية من الحراك الاقتصادي في أمريكا في الماضي، وليست الحقائق الحالية. سواء اتخذت هذه التباينات هيئة تكنولوجيات أو ممارسات ثقافية غير مناسبة، فإنها يجب أن تعالج إذا كان للمعرفة أن تعود بالفائدة على المجتمع. تتلخص إحدى الاستراتيجيات في رفع الوعي. هكذا ساعدت حركة حماة البيئة على حشد الدعم لتطوير مصادر الطاقة المتجددة. ومن الممكن أن تعمل حركة مماثلة، "تكنولوجيا من أجل العمال"، على إعادة توجيه الإبداع في اتجاه أكثر ملاءمة للعمل. إن تعزيز أصوات أصحاب المصلحة المعنيين -مثل العمال والدول الفقيرة- في القرارات المتعلقة بالابتكار والتكنولوجيا من شأنه أن يوفر الحماية من تبني تكنولوجيات غير ملائمة. تشكل السياسات العامة أيضا أهمية حاسمة. كانت الثورة الخضراء في القرن الـ20 مدفوعة بإدراك واضح لحقيقة مفادها أن تحسين الإنتاجية الزراعية في الدول منخفضة الدخل يتطلب تطوير أنواع بذور عالية الغلة تناسب البيئات الاستوائية. ورغم أننا نفتقر إلى جهود مماثلة متعددة الأطراف لسد الفجوات التكنولوجية العالمية اليوم، يشير موسكونا إلى دول عديدة متوسطة الدخل "الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا" لديها القدرة على تطوير تكنولوجيات أكثر ملاءمة للاقتصادات النامية. لكن حتى في هذه الدول، يميل الإبداع والابتكار إلى اتباع معايير وتفضيلات وادي السيليكون، وليست الاحتياجات المحلية. ينبغي لصناع السياسات والمبدعين أن يتذكروا أن ما يمكـننا ليس المعرفة، بل المعرفة المفيدة. خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2023.
مشاركة :