تحدّي التحدّي 2/‏2

  • 12/12/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لقد أصبح حدثُ «تحدّي القراءة العربي» حديثَ القاصي قبل الداني والبعيد قبل القريب من مجال التربية والتعليم؛ فقد أدخل جوًّا تنافسيًا جديدًا وشديدًا، كما ربط بين أرجاء الوطن العربي، لذا يمكن اعتباره الحدث الأبرز عربيًا ولربّما الشّمعة المضيئة الوحيدة التي تنير حاضرنا العربي. وقد وقفنا في المقال السابق على بعض التحديات التي يواجهها هذا المشروع الرائد، ونواصل في هذا المقال استعراض جملة أخرى من تحديات القراءة العربي، أو ما أسمّيه اختصارا «تحدّي التحدّي». تمهيدًا لعرض تحدّ جديد من تحديات مشروع تحدي القراءة العربي، يجدر بنا التذكير أنّ القراءة المقصودة هنا هي قراءة الكتب بمختلف أنواعها ومجالاتها؛ ذلك أنّ مفهوم القراءة في المطلق عام ويشمل فك كل رموز ممكنة، سواء كانت مكتوبة بالحروف أو بالأشكال أو الألوان...إلخ. كما انضافت في العقدين الأخيرين القراءة الرقمية بمختلف تمظهراتها إذ فرضت وسائل التواصل الاجتماعي لغة جديدة هجينة حينًا عجيبة حينًا آخر، لكنها صارت مقروءة مفهومة بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي. فالقراءة بهذا المعنى أو المعنى السابق هي حدث مصاحب للوجود الإنساني ومهارة حياتية يومية لا غنى للإنسان عنها. أمّا القراءة بمعنى مطالعة الكتب والاستفادة منها فهي ظاهرة تعرف انكماشًا كبيرًا في الوطن العربي، حتى لتكاد (أمّة اقرأ) لا تقرأ، وأمّة (الكتاب خير جليس) دون جليس، وأمّة (خير أنيس في الوحدة كتاب) دون أنيس... بمعنى أنها صارت أمّة لا تقرأ ولا تطالع كتبًا للاستفادة منها أو للتسلية أو لغيرها من الأغراض. وهذه الحقيقة وللأسف تصلح على طلاب المدارس والجامعات كما تنسحب على بقية المواطنين. ولقد استهدف تحدّي القراءة مجتمع المدرسة من الطلاب والطالبات واستنفر الملايين منهم على مستوى الوطن العربي قراءة وتحليلاً... غير أنّ قراءة الكتب لا يجب أن تكون حدثًا مدرسيًّا فقط، بل هي في المجتمعات المتطوّرة خبز يوميّ يغتذي منه المواطن، سواء كان في المدرسة أو خارجها. وإذا جرى التركيز عليها بهذا الثقل في مجتمع المدرسة فإننا نهضم حقّ نشرها في المجتمعات الأخرى كمجتمع العمل والعائلة... ولا شكّ أنّ من ملامح المواطن الذي ينشده أيّ نظام تعليمي، بل وأيّ مجتمع متقدم متطوّر، أن يكون الإنسان قارئًا منفتحًا على الآخر، بل ذلك من ملامح المواطنة العالمية أيضًا، فالقراءة فرصة متجدّدة ليبقى المواطن على صلة وطيدة بالآخر، إذ هي النافذة المفتوحة التي يطلّ منها عليه. لذا فإنّ من تحدّيات مشروع تحدّي القراءة العربي أن تعمّم هذه التجربة على جميع المواطنين، أو أن يقع تجريبها في مجتمعات أخرى غير مجتمع المدرسة، ففي المجتمع الواسع طاقات أخرى في مجال القراءة جديرة بالتفجير والتحفيز والتشجيع. ومن جميل فضائل مشروع تحدّي القراءة العربي تشريك المدارس الخاصة إلى جانب المدارس الحكومية أو مدارس التعليم العمومي. وهذا لعمري فيه من العدالة ما فيه أيضًا من المفارقة! فأمّا العدالة ففي عدم استثناء المدارس الخاصة التي يؤمّها عدد كبير من أبناء الوطن العربي، ولا نشكّ في امتياز طلبة هذه المدارس، وقد ضربت مثلاً مدرسة الإيمان الخاصة في مملكة البحرين موعدًا مع التتويج في العام 2017. وهذا مما يزيدنا قناعة بعدالة تشريك المدارس الخاصة. وأمّا المفارقة فتتجلى في اعتماد المعايير نفسها بين جميع المدارس؛ ذلك أنّ بعض المدارس الخاصة هي مدارس أجنبية، وفيها عدد كبير من الطلبة العرب وبهم شغف للمشاركة وربما التتويج، لكنهم في الحقيقة يجدون أنفسهم إزاء طلبة يتجاوزونهم بمسافات بعيدة على مستوى كمّ القراءة باللغة العربية والطلاقة في الحديث والتعبير... وهو ما قد يكون بالنسبة إليهم عائقًا معنويًا ربما يجعل عددًا كبيرًا منهم لا يتجاوز حدود المنطقة التعليمية التي ينتمي إليها وفي أحسن الحالات حدود المحافظة. لذا فمن تحديات التحدّي أن يفكّر القائمون عليه في مسابقات جانبية أو موازية لمثل هذه الفئات، والحديث نفسه يصحّ على الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم، فما ذنبهم ألا ينافسوا في مثل هذه المسابقة؟!  ولا يزال مشروع تحدّي القراءة العربي يجابه تحدّيات جمّة حتى في مجتمع المدارس. فمن تحدّيات تحدّي القراءة العربي على مستوى المدارس متابعة تلك الفئة من الطلبة والطالبات الذين يخرجون من المراحل الأولى من المسابقة، إذ يضمر الاهتمام بهم، وتستنفر المدارس طاقاتها في متابعة وتأطير وتشجيع الفائزين المتأهلين للدور النهائي من المسابقة سواء على مستوى المحافظة أو البلد أو الوطن العربي عمومًا. لكن ما مصير من يتعثّر في الطريق؟ الإهمال وللأسف، ذلك هو نصيب هؤلاء الملايين والألوف المؤلفة ممن ألّفنا قلوبهم على حب الكتاب، ثم نبذناهم وراء ظهورنا ولم نعرهم اهتمامًا يُذكر بعد وقوفهم في إحدى محطات المسابقة وخروجهم من الرهان الكبير أو الأكبر. وكم من طالب وطالبة أحسّوا بالغُبن والظلم لخروجهم! وكم من تلميذ وتلميذة أقسموا ألا يعودوا للمشاركة! وكم! وكم! وكم! فإذا كان التحدّي محفّزًا ومعزّزًا للنخبة وللأوائل، فإنّه برأينا يجب ألا يكون محطّمًا لآمال بقية الطلاب. بل يجب على القائمين على هذه المسابقة التفكير في هؤلاء بقدر تفكيرهم في تكريم الفائزين محليًا أو وطنيًا أو عربيًا؛ حتّى لا تكون القراءة من أجل الجائزة، وإنما القراءة من أجل القراءة والتثقيف ونحت الشخصية وبناء الذات.

مشاركة :