عنصرية العرف والقانون - د. فهد الطياش

  • 10/1/2013
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أثار البيان او الشكوى التي تقدم بها نادي الاتحاد ضد جمهور نادي الهلال الكثير من النقاش حول صدق الشكوى والاسوأ السلوك المشين الذي شكا منه النادي. ولا اعتقد ان السلوكيات العنصرية (لغويا وجسديا وبصريا ورقميا) سوف تختفي من ملاعبنا لأنها في الاصل لم تختف من حياتنا. ولكن المجتمع السوي هو الذي يفرح بظهور سوءاته على العلن، فبهذا الظهور يقف هذا المجتمع امام قصور عقله الجمعي وبالتالي يدرك مدى تخلفه. فالعنصرية الظاهرة بفخر في ثقافة العبودية الاميركية لم تخلق حالة من استمرار القبول بل ولدت الكثير من الاشمئزاز خارج المجتمع وداخله الى ان انتهت بحروب وانتهت بحركات الحقوق المدنية. وماذا استفاد المجتمع الاميركي بعد ذلك؟ ارتقى وادعى انه جزء من جنة الله على الارض واصبح يصف البلد ب"بلد الحليب والعسل" وأرض "الحلم الاميركي". فكم من افريقي يحلم بالهجرة الى هناك، او في الحد الأدنى يحلم بالعمل او التعلم هناك. ففي اعتقادي ان ظهور العنصرية على السطح مؤشر على تحول ثقافي اجتماعي وقانوني. فلو نظرنا لحال الجزيرة العربية قبل بعثة المصطفى عليه الصلاة السلام لأدركنا حجم العنصرية الظاهرة سلوكيا ولغويا. ولذا جاءت النصوص القرآنية والاحاديث النبوية مغلظة في هذا الجانب، وفي تعزيز كرامة الانسان وتكريمه. ففي سور القرآن الكريم آيات واضحة في المساواة ونبذ العنصرية، بل وربط هذا السلوك بتقوى الله كما وردت في استفتاح سورة النساء بقول الحق سبحانه وتعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا" (1). فالأصل واحد ولكن تعددت الثقافات والسلوكيات. لست بصدد الحديث عن هذا الجانب فقد اشبع بحثا وخطبا ولم يختمر بعد في السلوك. وانما الذي يعنيني هنا هو التفريق بين العنصرية الكامنة او الساكنة والعنصرية الظاهرة. فالساكن والكامن لا يحكم عليه بسبب ان المجتمع او القاضي لا يستطيع ان يشق قلب المعتدي عنصريا. ولكن عندما تصبح العنصرية سلوكا ظاهرا فإن الضرر اصبح واضحا للعيان وبالتالي اصبحت تلك السلوكيات تتطلب تدخل التشريع او القانون لوضع حد جزائي لمرتكبها. فهي بذرة زعزعة السلم الاجتماعي وقتل روح الابداع وتقويض الانتماء وغيرها من امراض المجتمعات العنصرية. فما استقام اي مجتمع قام على عنصرية ظاهرة ولكن سخائم القلوب لا يمكن ان يستلها القانون. وبالعودة الى ظاهرة العنصرية في ملاعبنا انا سعيد بظهورها على السطح للشكوى والنقاش حتى نصل الى حل ثقافي قبل القانوني ونشكل مجتمعا اكثر وعيا واحتراما. فكيف بنا ونحن نؤمن بما جاء به المصطفى نمارس عنصرية بغيضة على ارض الحرمين الشريفين ومع اهلنا؟ وماذا لو اثيرت القضية في المحافل الرياضية العالمية بعدم الرغبة في اللعب على الاراضي السعودية بسبب عنصرية الجماهير. بل وربما رفض استضافتنا لأي بطولة قارية او دولية بسبب تلك العنصرية. لا اريد ان ابعد كثيرا عن عنصرية ملاعب الكرة حتى لا تصيبني شظايا عنصرية صديقة من نوع آخر. ولن اسلم حتى من طرح هذا الموضوع الرياضي بسبب تعدد العنصريات. المهم ان العنصرية الظاهرة تستوجب العقاب القانوني وتصبح تعريفاتها وتجريمها واضحة للجميع لا أن نستند على موروثات اجتماعية ابقت الكثير من اوجه الممارسة العنصرية بين الجنسين وبين الشعوب وبين المناطق. فهي مرض يستفحل وليس خيرا يعم الجميع. فهذا الإنسان الذي كرمه الله بقوله في سورة الحجر "فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين (29) فسجد الملائكة كلهم أجمعون (30) إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين (31) قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين (32) قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون (33) قال فاخرج منها فإنك رجيمٌ" (34). فالعنصرية واضح من الآية طريق مع جند ابليس الى يوم يبعثون. وهذا الطريق خيار شخصي وجمعي وعقابه لم يعد في محيط القبيلة والمجتمع المحلي، وانما تعدد وتمدد فأصبح للمجتمع الدولي والاعلامي الدولي والمنظمات الانسانية مرايا تكشف سوءات المجتمعات. فلنعيد بالحد الادنى لملاعبنا ما فقدناه من التلاحم وبعض الحياء الانساني، لأن من اغتر بنفسه سلمته للمعاطب، ومن لم يرب المعروف في ابنائه ضيعهم وضيع الاخلاق فيهم.

مشاركة :