أريد أن أصبح سعيداً - نجوى هاشم

  • 2/19/2015
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

"عندما كنت في الخامسة من عمري كانت أمي تقول لي دائماً بأن السعادة مفتاح الحياة.. وعندما ذهبت إلى المدرسة سألوني: ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر..؟ فكتبت "أريد أن أصبح سعيداً " فقالوا لي أنت لم تفهم السؤال.. فقلت لهم بأنهم لم يفهموا الحياة.. "جون لينون"..! يربط البسطاء السعادة براحة البال.. وكان القدماء يقولون "يا بخت من نام وباله مرتاح".. أو محظوظ من وضع رأسه على المخدة ودخل في النوم دون تفكير.. ومع ذلك هم لا يعنون هذا الإحساس بمسمى السعادة.. ربما هو اختلاف في التعبير ولكن المفهوم يظل واحداً وهو السعادة وارتباطها بالحياة.. ولكن هل يمكن للإنسان أن يخطط لأن يكون سعيداً؟ أم أن السعادة في حد ذاتها حلم ثمة ارتباط نفسي له ولكنه يظل مرتبطاً بما تغمرك به الحياة وبمسارك داخلها وخطواتك التي تتخذها..؟ لاترتبط السعادة كما يقول جون لينون بمهنتك أو من أنت أو من تكون أو كم تملك أو أين تعيش؟ ولايمكن أيضاً استنساخها من آخرين.. ومعرفة مايسعدهم ليسعدك أنت.. لأن القواعد هنا متغيرة.. والظروف مختلفة.. والوعي الإنساني بمفهوم وقيمة الحياة.. أيضاً مختلف من شخص إلى آخر.. فمثلا فلان يستمتع بسعادته.. وكلما تلتقيه تجده سعيداً لأنه أراد أن يكون كذلك ونجح.. من خلال مبدئه الشخصي الذي يرتكز على التمسك بقناعاته حتى وإن أغضبتْ الآخرين.. وسعيه لعمل ما هو صحيح دائماً بعيداً عن إرضاء الجميع لأنه يعرف أن من يحاول أن يرضي الجميع لايرضي أحداً.. وكذلك يخسر نفسه وسعادته.. وهو الذي ارتكنت سعادته في صفاء نفسه وتقاطعها مع مفاهيم لاتتغير..!! يشتكي أحدهم أنه لم يعرف السعادة رغم ما يتوفر لديه من مسبباتها.. ونسي أن "السعادة الحقيقية ليست بمقدار ما نملك من الأشياء.. بل بمقدار ما نستمتع به في حياتنا بما نملكه.. وهو ما يحقق السعادة الحقيقية.. ".. والتي تغيب دوماً في متاهات الملكية لدى من لايفهم الحياة..!! تستيقظ من النوم أحياناً غارقاً في السعادة ولاتعرف لماذا؟ لكن تمتن لرب العالمين على هذه النعمة.. التي تشعر بها حتى وإن كانت مؤقتة.. ولكن تمنحك هوية لحظة الفرح والأمان والراحة.. دون أن تفكر في مسبباتها..! يقول سقراط"سر السعادة كما ترى لايتم في السعي إلى المزيد ولكن تنمية القدرة على التمتع بأقل".. ربما هذه الصورة هي لمن يحلم بكل شيء، وإن تحقق شيء وسعد به.. سعى إلى الآخر البعيد.. وإن لم يتحقق فقدَ كل سعادته.. وتحول إلى شخص آخر فاقد للحياة فقط لأنه لم يحقق الأكثر لتكتمل سعادته.. متناسياً أن مراتب الواقع تبتعد كثيراً عن المثالية المقروءة.. وأن الدائرة لاتظل مغلقة بسعادتها.. بل تفتح أبوابها"للتعاسة" عندما يبدأ الإنسان في البحث عن مزيد من السعادة.. غير مقتنع بما هو فيه من سعادة ربما تبدو كافية.. وتمتلئ بها دواخله.. ولكن الإحساس المتخيل الباحث عن الأفضل والأكثر يُذيب ما لديه ويدفعه للتعاسة..! لكن هل السعادة صوت لصدى الداخل؟ أم أنها ترتبط بموانئ النفس الهادئة؟ دون شك أن السعادة ثابتة لكن الإحساس بها متغير فما كان يسعدك ذات يوم لم يعد كذلك.. وما كنت تعتقد أنه هو من يبعث لك رسائل السعادة.. لم تعد تقرأها.. ولم تعد تشكل لك أهمية.. ما كان يسعدنا صغاراً اختلف ولو مررنا عليه لا نشعر بتلك السعادة.. بعض الأصدقاء في مراحل معينة من العمر كان الالتقاء بهم هو قمة السعادة ولكن الآن عندما نلتقيهم لم نعد نشعر بذلك.. لا أقصد أن مشاعر السعادة تحولت إلى تعاسة ولكن تتحول تلك اللحظات الصافية إلى لحظات عادية لاتحمل أي شيء ولاتنثر السعادة.. هل نحن متغيرون؟ أم الزمن متغير؟ ام أن السعادة وقتية ومرتبطة بدواخلنا.. ونحن من نحدد ماذا نريد منها؟ يقول أحد الفلاسفة "السعادة عادة قد تصل إلينا من أبواب لم نعتقد يوماً أننا تركناها مفتوحة " بمعنى أنها قد تفيض وتهدر دون أن نسعى إليها ودون قواعد متفق عليها وربما هذا هو سر متعتها أحياناً.. يتشابه مع ذلك.. انه قد تعبراليوم باعتيادية شديدة ومع ذلك لو حاولت التركيز على بعض التفاصيل الصغيرة جداً لشعرت بالسعادة والامتنان لما أنت به.. ربما هذه التفاصيل لاتلفت أحدا ولكنها منحتك السعادة.. التي عليك أن تعيشها وتستهلكها في نفس اللحظة هل تعرف لماذا؟ لأنه لايمكن أن توفرالسعادة للغد أو للمستقبل.. فقط تعيشها من قلبك دون مساءلة لماذا أتت؟ أو غابت؟ فهي قد تحضر لكن غيابها يرتبط بك.. واستمراريتها تختصر في ذاتك.. التي قد تتشاركها مع آخرين ولكن الإحساس بها يظل ذاتياً صرفا..! ترسم المشهد بيدك وهو صورة سعادتك.. التي هي كما يقال ليست جاهزة الصنع ولكنها مرتبطة بأفعالك الشخصية بتمهل وجنون أحياناً.. وقليل من الامتنان رغم كل الصعوبات التي تواجهها.. وتحمد الله دائماً على كل شيء.. والفرح بالأشياء الصغيرة قبل الكبيرة.. يمنحك السعادة والتي هي ليست شيئاً معلوماً أو مقلداً أو درامياً.. ولكنها إحساس متنام لحظوي بالحلم.. يعيش معك وداخلك كتلك الظلال الشفافة التي ترسم نفسك عليها ولكن قدلايراهاالآخر.. وهو ليس معنياً بها.. سترسم مرة على مداخل الحياة القاسية ومرة على ضفاف الخوف ليس لتبدله بالامان ولكن لتتصالح مع نفسك بسعادتك النسائمية.. دون أسئلة.. لأن كل لحظة سعيدة تعيشها هي أجوبة مطولة لما لم تسأله..!!

مشاركة :