ما لا تريده.. ولا يريده الآخر - نجوى هاشم

  • 7/14/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

عندما كنا صغاراً لا نعرف حدود ماذا نقول وماذا نخبئه عن الآخرين.. كنا نتحدث ببراءة مفرطة عن أشياء بسيطة وغير مهمة ولا تعني أحدا.. خاصة عندما نكون في حصص فراغ في المدرسة.. كنا ست زميلات ولكن المقربة مني والتي تزورني وأزورها واحدة وأعرف وتعرف عني تفاصيل صغيرة.. ومع ذلك وعندما تتحدث كل واحدة في المجموعة عن حياة أسرتها وهي أحاديث في العموم وبعضها "فشر" أو كذب.. كانت صديقتي لا تتحدث كثيراً عن خصوصية منزلهم وكانت تطرح أحاديث جميلة ولكنها لا تخص عائلتها.. وتعلمني ألا أحكي ما يخص أسرتي أو تفاصيل منزلنا.. وأعطي إجابات مبهمة لأسئلة لامعنى لها..! كبرنا ودارت الأيام وتغيرنا نحن معها وتوقعت أنّنا عندما نكبر نأخذ الحياة معنا بزاويتها الواسعة.. ومفهومها الحقيقي وصورتها الصحيحة.. لكن نظل نقرأ المشهد من زاويتنا وليس من زوايا الآخرين الذين نعتقد انهم تغيروا في تفكيرهم أو أنّ الزمن يغيرنا عندما نكبر وينحت معه الايام ليكتبها بطريقة أخرى.. ولكن نكتشف أنّ التفكير والصورة التي اعتدنا على تفسيرها صغاراً لم تتغير أو تتبدل..! فبعد سنوات على مشهد المراهقة التقينا كمجموعة من زميلات الدراسة في جلسة خاصة.. وتذكرنا تلك الايام التي مضت ولكنني لاحظت أنّ بعضا منّا لم تتغير في طريقة تفكيرها أو مفهومها للحياة والناس ومن حولها.. هل لأننا نتاج تربية أسرنا، أم أننا نتشكل مبكراً ومن الصعب أن نتغير؟ فالزميلة التي كانت لاتقول شيئاً ظلت تتحدث في العام حتى صرخت عليها أخرى قائلة.. من عرفتك ولو جلست معك عشر ساعات فلن أخرج منك لا بأبيض ولا أسود.. ضحك الجميع.. لكنها هي لم تضحك.. بل ابتسمت وقالت.. الناس عادة يحبون أن يسمعوا من الإنسان ما يريدونه فلماذا لا نفرض عليهم ما نريده؟ بمعنى أنّ الإنسان العاقل لايُحدّث الناس بكل ما لديه أو بما يعرفه وعليه أن يكتفي بالحديث فيما لا يعنيه أو يخصه.. وعندما سألتها: كيف ذلك؟ قالت :أنا وأفراد اسرتي تربينا على مبدأ مهم وهو.. ألا نتحدث إلا فيما لا يشكل ضرراً لأسرتنا أو لا يحاسبنا عليه أحد بعد ذلك أو يمسكه علينا.. قلت لها: ما فهمت.. قالت: من صغري تعودت أن أعطي الناس الكلام الذي لم يعد يلزمني والقصص التي لا تعنيني.. أسمعهم كل شيء انتهت صلاحيته عائلياً ولم يعد يلزمنا.. يعني مثل الكراكيب والأشياء القديمة التي عليك أن تتخلصي منها.. أو الأشياء المكشوفة للناس كأثاث المنزل وهيكل سيارتك ووظيفتك مثلاً.. وفي النهاية الناس ليس لديهم عندك شيء وأنت حرّة تقولين لهم ما تشائين وتفرضين عليهم ما تريدين برغبتك وليس تحت الضغط..! هل هي على حق فيما قالته؟ وهل على الإنسان أن يكون مغلقاً حتى مع أصدقائه المقربين؟ وهل تُسمى صداقة تلك العلاقات السطحية التي يُكتفى فيها بالأحاديث التي لايرغب كل طرف فيها ولا تعنيه؟ ربما هي في جانب على حق.. لأنها استطاعت أن تغلق أبوابها وتفتحها متى تشاء.. وأيضاً قدرتها على تحصين نفسها من هجوم الآخرين السلبي عليها في أغلب الأحيان.. خاصة أنني لم أعرف عنها تعاطفاً مع من تتعرض لأزمة أو كارثة.. أو لديها القدرة على الاستماع جيداً والدخول مع الآخرين في مشاكلهم وهمومهم.. لأنها دائماً على الحياد لاتسمع أحداً وحتى وإن سمعت لاتتأثر أو تهتم.. أو يعنيها وكما قالت إنّ هذا السلوك يشمل أخواتها وإخوانها كلهم يعيشون على الحياد لاتعرف عنهم شيئاً ولايريدون أن يعرفوا عن الآخرين أشياءهم لأنهم شكّلوا أنفسهم خارج هذه الدائرة..! السؤال هل نحن الذين انغمسنا في الآخرين والحياة نستطيع أن نكون مثل "محدش له دعوة بالثاني"..؟ وهل بإمكاننا أن نشعر بقيمة الحياة دون الاستماع إلى من يلجأ إلينا؟ ربما نكون متوازنين في الحديث فيما يخصنا أو مانريد أن نقوله مع أقرب الناس أو من نرتاح له.. وأيضاً لدينا القدرة الفائقة على الاستماع للآخر ومساعدته والإحساس به ومشاركته همومه فعلياً ومحاولة إيجاد الحلول لها.. ولكن من الصعب ان نتحول إلى خط سير متوقف لا يتفاعل ولا يشعر ولا يرتد إلى الخلف.. ولا يغير قناعاته او فكره.. ينطلق في سلوكه بحسابات مصالحه.. لايخطئ حتى يبادر إلى الاعتذار ولا يهتم حتى يعاود السؤال.. ولا يتأخر ليصحح خطأ أو ليطرح معلومة.. لا يخشى مما قاله لأنه لم يقل شيئاً في الأصل.. ولم يضبط متلبساً بقول جملة واحدة مفيدة يُبنى عليها حديث مهم.. كل ما قاله أو سيقوله هو يعرف أنه لم يعد يحتاج إليه ومايحتاجه سيبقى معه.. والحكمة كما سمعتها منها عندما تحدثنا جانباً.. أن العاقل لايجعل الآخرين يمسكون عليه اي شيء مهما كانت تفاهته.. حتى لا يتجرع ضعفه ذات يوم ممن هو أتفه من الأمر الذي تحدث به..! لا أعرف كيف للإنسان أن يضبط كلماته ويوزع منها ما لا يريده؟ وكيف له أن يغسل القاموس قبل أن يلتقي أحبابه ليبقي منه عناوينه فقط أو غلاف مفرداته؟

مشاركة :