تتحدث وكأنه ذلك المشهد الوحيد الذي علينا مراقبته.. وتفنيد ملامحه.. غبتُ عنها شهوراً طويلة واستقبلتني بالصراخ من الصيف، والحر، والرطوبة المذهلة.. كلانا من مدينة واحدة لاتعرف سوى الصيف الطويل والمشبع برطوبته التي تنعكس كآبة وضيقا.. وذلك الربيع القصير والذي قد تلحق به زخات مطر..! الواقع أنه ليس لي إجابة عن استغرابها وهي تكمل :الله يرحمنا برحمته، ماذا سنفعل في رمضان؟ الحمد لله أننا في إجازة! نحن هنا نتحدث في شهر مايو والحرارة تضرب في كل مكان في علاقة غريبة وحميمية مع الأرض، والهواء، والوجوه..! لكن ماذا في ذلك؟ ألا يستحق هذا الأمر الحديث؟ أو الطرح؟ ولماذا حاولتُ الهروب وإغلاق باب التفاصيل المملة عليها؟ هل لأنه حوار ثلاثة أرباع العام المتكرر؟ أم لأننا أدمنّا الحر وأصبح يشكّل جزءاً أساسياً من مفردات أيام مدننا الساحلية؟ ولماذا أصبحنا نتوقف عنده في السنين الأخيرة أكثر من سنوات ماضية؟ تؤرخ النساء الكبيرات لسنوات الحر بارتباطها بأحداث حقيقية كما هي سنوات المطر.. فمثلا ً تقول إحداهن" سنة الحر" أو " سنة الدبغة " بمعنى دبغنا الحر أو قتلنا الحر.. وكما يقلن إنها سنوات محدودة ولم يُعرف هذا الارتفاع في الحرارة إلا في السنوات الأخيرة حيث لم تكن هناك مكيفات أو حتى مراوح، ويعتقدن أن المكيف هو من زاد الحر والرطوبة! ولا تنسى إحداهن تلك الأيام الجميلة التي ينام فيها الناس في الهواء الطلق في عز الصيف ومع ذلك لايخلو الجو من لفحة هواء باردة أو نسمة عليلة.. أما الآن فالجو الخانق ربما جاء من التقفيل وهذه الأبواب المغلقة على الناس والمكيفات التي لاتتوقف! ربما يبدو الأمر اعتيادياً، وهذه الطبيعة الصعبة المغلّفة باعتيادها على الحضور والقسوة والتداخل المستمر في حياة الإنسان وصراعاته المتواصلة مع الحياة.. ومع ذلك لايتوقف الإنسان عن الحديث أو المناقشة لها.. هل لأنها أقصد الطبيعة جزء من الحياة اليومية؟ أم أننا عندما لانجد أموراً نتحدث فيها أو نطرحها فندخل إلى الآخر من خلال الجو والفصول؟ الواقع أن الأوروبيين وهذا يحتاج الى مقال آخر يتحدثون دون استثناء عن المناخ عندما يلتقون على اعتبار أنه متغير وجزء من المشهد وقد يكونون محقين لتغير الفصول، التعايش معها كاملة.. لكن هذا لايصادر أحقيتنا في الحديث عن مرارة الصيف، وقسوة الجو، والتوقف عن الخروج إلى البحر والاستمتاع به عصراً لأنك ستجد نفسك مغسولا ًبالرطوبة وغير قادر على الفصل بين إحساس المتعة برائحة البحر ومرارة رطوبته..! الطبيعة تعاود حضورها دون ملل.. وهي تعرف جيداً أننا اعتدنا على الدوران حول أنفسنا ومقاومتها، واعتلاء الأحلام للهروب منها، ولكن تظل العلاقة لاتفسر بسؤال.. "هل عاد الصيف؟" لأنها في النهاية إرث طويل لايمكن التنصل منه أو توزيعه.. وصورة عليك أن تتأملها بحجمها الكبير ليس لتبقى في الذاكرة.. ولكن لأنها لا تتحرك.. وعليك أن تظل في مكانك تتأمل أضواءها الملتهبة وتدوّن ملامحها.. ولا مانع من مكابدة الحر والحياة داخل بركان الرطوبة..!!
مشاركة :