أتخيل دائماً أنّني عندما أفكر في فكرة ما أو خطة ما تتعلق بما يقوم به الجميع أنها ستكون منفردة ولن يفكر فيها أحد غيري.. فعادة وعند شعوري بالاختناق في الزحام الذي تعيشه شوارع جدة أقترح على السائق أن يدخل شوارع جانبية لننفذ إلى الطريق الذي نريده أو حتى أستطيع التنفس بعيداً عن حصار مسارات السيارات التي يكتظ بها الشارع.. والمضحك أنني أكتشف أنّ غيري قد فكر وقد تفرع في الشوارع الجانبية وأصبحت أكثر اكتظاظاً من الشوارع الرئيسية.. لم أغير فكرتي وخططي.. طالما السائق جديد وعليّ تعليمه.. والبحث عن مخارج استغلالاً للوقت..!! في التسوق أبحث عن الأوقات التي لا يكون فيها السوبرماركت مكتظاً ويحتاج المتسوق الوقوف لأكثر من ساعة أمام الكاشير ليحاسب.. وأحاول أن أذهب في غير أوقات الذروة.. ومع ذلك اكتشف أنّ الآخرين هم أيضاً يفكرون خارج الصندوق ويذهبون في الأوقات التي خططت لها خصوصاً في هذه الأيام التي تكتظ فيها الأسواق بالمتسوقين لشراء حاجيات رمضان.. في أجواء مزدحمة ومزعجة وحارة.. وبشر يتسابقون على الشراء بلهفة احتمال حدوث مجاعة قريباً..! تتسوق هذه الأيام لما أنت تحتاجه فعلياً وتدخل أي سوبرماركت في ظل هوجة التخفيضات الكبيرة التي تدفع الناس إلى الوقوف لساعات طويلة بحثاً عنها والنتيجة رفوف فارغة بعد أن انتهت التخفيضات في نفس اليوم بل في نفس الساعات الأولى التي طُرح فيها المنتج والسؤال هو: متى طُرح؟ والمعروف أنّ أغلب الناس ينامون بالنهار في الإجازة ويخرجون للتسوق في المساء وبالتالي يجدون أغلب العروض قد نفدت وعندما تسأل البائع: أين ماهو موجود في البروشور؟ يقول "خلاص مافي".. تسأله: طيب البروشور لمدة أسبوع فكيف انتهى؟ يقول "ممكن بكرة".. فهل ينام المتسوق أو يرابط أمام السوبرماركت حتى يتم العرض في اليوم التالي؟ من المؤكد أنّ من ليس لديه وقت سوف يشتري المتاح بأي سعر.. ومن خنقته موجة الحر سوف يشتري أيضاً بالسعر المعروض ولا قدرة لديه أن يعود غداً.. فمن تجربته أنه لو عاد غداً فلن يجد ما يبحث عنه وسيقال له انتهى..! متعة التسوق في الزحام الفارط وفي هذه الأيام تشعرك أنّ الناس يعانون من فوبيا الخوف من المجاعة التي ستضرب البلد قريباً.. وأنه لا بد من التخزين لكل أنواع الطعام حتى تلك الأطعمة التي تنتهي صلاحيتها سريعاً.. سباق مارثواني على السوبرماركت من كل الجنسيات عوائل كاملة تدور وتصطدم ببعضها وكأنها في رحى دائرة.. تهجم على الأرفف في تزاحم مع الآخر القريب بجانبها دون اهتمام أو احترام طالما العاصفة ستهب غداً وستضرب كل شيء وسينقطع التواصل مع محلات بيع الأطعمة وبالتالي لا بديل من التخزين من اليوم..! هذا الهجوم المحموم على كل شيء وتفريغ كل الأرفف والثلاجات في هذه الأيام يدفع الكثيرين لعدم القراءة لمدة الصلاحية أو الانتهاء.. وبالتالي تتخلص هذه المحلات من كل الكميات التي توشك على الانتهاء لديها من خلال هذه الموجة من الشراء المحموم.. وإن كنت خيالياً أو فارهاً في رؤيتك فسوف تستمتع بهذا الكم الهائل من المشاهد والمتسوقين وآيضاً نوعية مايشترونه والتي تعكس ثقافة كل أسرة أو نوعية من البشر.. فشخص يكدس عربته بزجاجات الفيمتو والتونو.. فقط.. وآخر يملؤها بالحليب أو اللبن.. وشخص آخر عشرات العلب من التونة.. إنها ثقافة الأكل أو مانسميه الطعام وثقافة الشعوب أيضاً والأسر وما تعودوا أن يأكلوا.. أما إذا أردت أن تُغادر دون أن تشتري أو حتى تستمتع برؤية عربات المتسوقين فما عليك إلا أن تقف في كاشير يسبقك فيه طابور ممتد لأكثر من عشرين عربة وكل شخص أو أسرة لديه عربتان كل واحدة تحتاج ساعتين للحساب.. أمامك الاختيار الأفضل بعد أن اشتريت وتسوقت لأكثر من ساعة وهو ترك العربة في الطابور والمغادرة والهروب.. الذي ستكتشف وأنت تغادر أنّ غيرك أيضاً ترك عربة مليئة بالأغراض وستجد كثيراً لو ذهبت عند منتصف الليل أنّ الموظفين يفرغون عربات متناثرة في كل الممرات تركها أصحابها وغادروا هرباً من الزحام.. وعدم خوف من المجاعة القادمة غداً..!!
مشاركة :