تَصنيف النَّاس أَمرٌ قَديمٌ قِدَم التَّاريخ، ومُحَاولة التَّخلُّص مِنه هو عَبَث لَا طَائِل مِن وَرائه؛ إلاَّ إضَاعة الوَقت، وتَبديد السَّاعَات في مَنطقة اللا جَدْوَى..! النَّاس تُصنَّف مِن خِلال مَذاهبها وديَانَاتها، ومِن خِلال ألوَانها ومَناطقها، وأخيرًا مِن خِلال دُولها وأَشكَالها..! ثُمَّ يَتمدّد التَّصنيف إلَى التَّصنيف الطَّبقي، وهو مَا يُقصد بِه الغِنَى والفَقر، والعُسر واليُسر.. كُلّ ذَلك مَقبول ومَعروف، ولَكن تَصنيف النَّاس مِن خِلال إنتَاج مَزارعهم، هَذا الذي لَم أَسْمَع بِهِ مِن قَبْل، إلاَّ مِن خِلال صَاحب القَلَم الأَنيق؛ الكَاتِب المِصري الطَّبيب «عبدالوهاب مطاوع»، الذي كَتَبَ في كِتَابه: «عَاشوا في خيَالي» عَن «كَتَاتيب القَرية»، التي دَرس فِيها الشَّاعِر «أحمد فؤاد نجم» -رحمه الله-، وأَوسع الذَّم في ذَلك الشّيخ الذي كَان يُدرّسه، حَيثُ يَقول: (كَان الشّيخ يَتقَاضى أَجره عَن تَعليم التَّلاميذ؛ مَرَّة وَاحِدة سَنويًّا في موسم المَحصول، فيُقدِّم لَه أَغنيَاء القَرية كيلة قَمح، ومتوسّطو الحَال كيلة ذُرَة، والفُقرَاء كيلة شعير.. وكَان الشّيخ يُقسّم التَّلاميذ -تبعًا لذَلك- تَقسيمًا «فئويًّا»، فتَجلس فِرقة القَمح عَن يَمينه، وتَجلس فِرقة الذُّرة في الوَسَط، أمَّا فرقة الشّعير فيَجلس أفرَادها عَن يَسَاره، وفي مُقدّمتهم -بالطَّبع- الطّفل «أحمد فؤاد نجم»..! وكَان أَهل اليَمين؛ هُم الذين يُحضِرُون للشّيخ -كُلّ صَبَاح- مَا لَذَّ وطَاب مِن الأطعِمَة، ويَنالون مُقابل ذَلك الاحترَام المُبَالَغ فِيه، والتَّحيّات لآبَائهم وأُمّهَاتهم، ولا تَقترب مِنهم عَصَا الشّيخ بالضَّرب أبدًا، وكَان أَهل الوَسط يُضربون -أحيَانًا- برِفق في حَالة الخَطَأ الشّديد، أو عَدم الحِفظ فَقط، أمَّا أَهل اليَسَار؛ فكَانوا الهَدَف الدَّائِم واليَومي لشّومة الشّيخ الثَّقيلَة وعَصَاه، إلَى جَانب شَتَائمه الفَاحِشَة لَهم، ولآبَائهم وأُمّهَاتهم كُلّ يَوم، حَفظوا أَم لَم يَحفظوا.. ويَا وَيلهم لَو رَاق مَزَاج الشّيخ؛ فحَكَى نُكتَة سَخيفة؛ ولَم يَضحك لَها وَاحد مِن فرقة الشّعير، فالشّومَة تَنزل عَلى رَأسه فَورًا؛ عِقَابًا لَه عَلى غَبَائِه وعَدم لماحيته)..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي القَول: سيَستمر التَّصنيف في الكُرَة الأَرضيّة، مَا دَامت هَذه الكُرَة، ومُحَاولة إلغَائه هي نَوعٌ مِن التَّعَالي عَلى الوَاقِع، ولَكن الدّول المُتقدِّمة تُحاول أن تَضبطه قَانونيًّا، ولَا تَتعَالَى عَلى الوَاقِع أو تُنكره..!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com