تحت عنوان «لا مفر من سوء القضاء إلا باللجوء إلى الله» تحدث فضيلة الشيخ أحمد مهنا السيسي خطيب جامع أبوحامد الغزالي في خطبته ليوم الجمعة أمس عن كيف يواجه المسلم ما يواجهه من بلاء وشقاء وعثرات في هذه الحياة، فقال: إن الإنسان وهو في غمرة هذه الحياة الدنيا معرض لجَهده البلاء، وهو كل ما يصيب المرء من شدة ومشقة، فإن كان من الموفقين كان هذا الجَهد والجُهد بمثابة التذكير له ليوقن أن له ربا قادرا حكيماً يلجأ إليه لتفريج همه وكشف غمته ورفع مشقته وتيسير أمره، ولقد علمنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أدعية نخاطب بها ربنا ونناجيه ونلجأ إليه لجوء المضطر، فقد كان مما يتعوذ به رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء: «اللهمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ الْبَلاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ». لقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يُكثر من هذا الدعاء، ويأمر به مما يدلّ على أهمّيته في حياة المسلم، ذلك لما احتواه من عظيم المعاني والاستعاذات الشاملة، عند المهمّات لكفايتها، سواء ما يصيب المسلم في أمر دينه أو دنياه. فيلجأ المسلم لله تعالى قائلا: «اللَّهم إني أعوذ بك من جهد البلاء» مستجيرا بربه من شدّة ما نزل به البلاء مما لا طاقة له بحمله ولا قدرة له على دفعه، ذلك كالبلاء الجسدي بالأمراض والأسقام والأوجاع.. أو البلاء المعنوي كأن يُبتلى بالوساوس والأوهام التي تُصَيِّرُ وتجعل من حياتِه جحيما لا يطاق، أو يُسلَّط عليَّه من يؤذيه بالسخرية والشتم والافتراء والبهتان وغيرها، فمن استعاذ بهذا الدعاء فقد اعتصم بالله من بلايا كثيرة علِمَها أو لم يَعلمْها. وحينما يستعيذ المسلم بربه من (دَرَك الشقاء): وهو وصوله وحلوله، فإن الشقاء المتوالي سبب للهلاك، ما لم تتدخل عناية الرحمن الرحيم، فيستجير العبد بمولاه تعالى: أن تَلحقه مشقّة، فتهلكة سواء كانت في النفس أو الأهل، أو المال أو حتى في الآخرة من عقوبة أو عذاب قد يصيبه بما اقترفته يداه أو بسبب تراكم الذنوب والآثام. وحينما يستعيذ المسلم بربه من (سوء القضاء) وهو: كل ما يسوء المسلم ويجعله حزينا مكروبا، من الأقضية المُقدَّرة عليه، التي لا مفر من آثارها إلا باللجوء إلى الله تعالى، فيستجير برب قادر على كل شيء، ذلك من كل ما يحزنه أو يوقعه في المكروه، وذلك يشمل الحفظَ في كل الأمور بما في ذلك عاقبة أمر المسلم وخاتمته. إن الاستعاذة من سوء القضاء لا تخالف الأمر بالرضا بالقضاء، لذا شُرع لنا الاستعاذة من سوء القضاء. أما حينما يستعيذ المسلم بالله تعالى من (شماتة الأعداء)، فإنه يعلم أن له رباً عظيماً قادرا منتقما، ينتقم له من أعدائه المتشفين فيه الشامتين بمصابه وبما نزل عليه من بلاء ومكروه ومحنة، جاء في القرآن الكريم على لسان سيدنا موسى عليه السلام: «قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» جاء في تفسير القرطبي: فلا تشمت بي الأعداء أي لا تسرهم، والشماتة: السرور بما يصيب أخاك من المصائب في الدين والدنيا، وهي محرمة ومنهي عنها. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك. إن الشماتة تدل على أنفس قد أشربت حب الشر ولعب بها الحسد ما لعب، فهي تنكأ الجراح النفسية فتؤذي القلب والوجدان، وتؤجج نار العداوة والبغضاء وتذكي اشتعالها، وقد تفضي إلى استحلال الدماء والأعراض انتقاما، لهذا شرع لنا الاستعاذة منها لخطورتها على الدين والنفس. ومن دعاء القرآن الكريم: «رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ». أيها المسلمون، لقد دلت المعاني العظيمة التي اشتملها هذا الدعاء على جلالِه وأهمية تعلمه، كيف لا وهو من جوامع كلم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم التي أوتيها من ربه، فجمع الاستعاذة من جميع الشرور والبلايا التي تعترض المسلم في دينه ودنياه، فلنكثر من هذا الدعاء الجليل العظيم صباحاً ومساءً في الحلِّ أو في السَّفر، حتى نكون في حصنه تعالى وحفظه. نسأل الله أن يسبغ علينا من خيره وفضله وأن يعصمنا من جميع الشرور. قال تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ».
مشاركة :