يختلط الأمر علينا كثيرًا بين مفهوم الصاحب والصديق، رغم أن الفارق بينهما كالفارق بين المشرق والمغرب، ولكننا لا ندرك هذا المعنى إلا بعد فوات الأوان، بالأحرى بعد أن ينكشف لنا المعدن الحقيقي للشخص ،بعدما يكون قد استطاع أن يلحق بنا أذي نفسي كبير ، وكان سببًا في الشعور بالخبية والخذلان. ...ولطالما سألت نفسي لماذا لا نتحري الصدق في إختيار الصديق، لماذا نتاخذ أحدهم خليلا لمجرد أننا تقابلنا مرة أو مرتين ،لماذا نطلق علي الأشخاص مسمى "أصدقاء "في حين أن ثوب الصداقة لايتناسب معهم، ويكون فضفاضا عليهم ولا يستحقون أن يرتدوه، بل من الأفضل أن يتركوه لأصحابه الحقيقين الذين هم أهل لها وهي أهل لهم؟! .الصاحب : عرف لطريق فحسب، بمعنى أن نذهب إلي الوجهة ذاتها سويا بدلا من أن يذهب كل منا وحده ،باختصار إذا كان طريقنا واحد، فلماذا لا أسير مع فلان حتى لا أشعر بطول الطريق ،فنتجاذب أطراف الحديث إلي أن يجد نفسه أمام عتبة المكان الذي يقصده دون أن يشعر بالوقت أو بالملل .وهناك مواقف كثيرة تحدث علي غرار ذلك ولكنك لا تلفت إليها إلا مؤخرا. مثل أن يلجأ إليك في أوقات الامتحانات ليتفقد مافاته أو من أجل أن تذيل اسمه في دفتر الحضور والانصراف،وغيرها من الأمور التى تجعله يتودد إليك لطلب المساعدة أو لقضاء حاجة، فهذا ليس عيبا أن يتوجه إليك أحدا بطلب، فتلبيه له،ولكن العيب كل العيب أنه بمجرد أن تنقضي تلك الحاجة ،يختفي صاحبها كالزئبق إلي أن تظهر مشكلة جديدة. ...وهكذا دواليك."صاحب المصلحة " هو الشخص الذي تراه وجهه في أوقات الرخاء، الفرح .بمعنى أوضح عندما تكون في أسعد حالاتك، أما دون ذلك فهو يلوح لك بالمغادرة خاصة عندما يستشعر أن القدر قاب قوسين أو أدنى من أن يضعه في موقف قد يعريه أمام أصدقائه ،فتراه يفر منك هاربا ،كأنه بات سرابا اليوم ،بعدما كان شاخصا أمام عينيك أمس.أما "الصديق الحقيقي " خلق من أجل الأوقات العصيبة والممرات المضلمة لأنه هو النور الذي في آخره . هو صاحب الحضور الطاغي في أوقات الافتقاد، هو الوتد في أوقات الضعف والانكسار ،هو الجالس فوق رأسك حتى تشفي من مرضك، هو الكتف الذي يرتخي لك لتضع رأسك عليه، بينما يلتف ذراعه ليحتصنك في عناق صامت ولكنه يحمل في طياته الكثير من معان الصداقة الوافية، هو الذي يستجمع قوته و طاقته من أجل أن يبثها بك في أوقات ضعفك، فيقوم بعملية إحلال يزيل من خلالها القلق والتوتر ليحل محلها الثبات والاطمئنان، هو اتزانك عندما تفقد صوابك ،هو نقطة ارتكازك عندما يصيبك خلل ،هو الذي يصاحبك إلي الهداية عندما يسيطر عليك التيه والعته ،هو عقلك الثانى عندما تصاب بالجنون ،هو بصيرتك عندما تصاب بالعمي .وأخيرا هو ذاك الذي يرد غيبتك ولا يتحدث عنك بسوء، إنما يدافع عندك كدفاع الجندي عن وطنه أثناء الحرب، هو قالب واحد، أمام وجهك مثل خلف ظهرك ،لا يتغير ولا يتلون، إنما يبقي كأول مرة التقيته بها، لا يصبغه الزمان بصبغة الغدر، ولا تطرأ عليه ألوان الخيانة مع مرور الأيام."الرفيق قبل الطريق "عبارة اختزلت كل ما نود قوله فيما يخص الصديق في ثلاث كلمات فقط لا غير، لا تآمن لأحد، وتجعله يسير معك مشوار حياتك ،بل اختبره أولا ، واصنع له الاختبارات، فما إن اجتازها حتى يمكنك أن تصطفيه خليلا لك ، أما إذا أخفق ،فعليك إذا أن تختار طريقا مخالف لطريقه حتى لا تتقابلا ثانية.فمن الأفضل لك أن تسير وحيدا بدلا من أن يسير بمحاذاتك شخصا يكن لك العدواة ويتواري خلف مسمى الصداقة. ...ويبقي السؤال : هل لديك اسما يتبادر إلي ذهنك تلقائيا حال وقوعك في مشكلة او إصابتك بمكروه ،أم أن التشتت والحيرة يقبعان علي فكرك لأنك تعلم في قرارة نفسك أنك لم تعثر حتى الآن على ذلك الإنسان الذي يمكنك أن تلفظه بلفظ الصديق؟!
مشاركة :