كتب: مارلين سلوم متساوون يولدون، وإلى العالم ملائكة يرسَلون. الأطفال يزهرون ولا يعرفون أنهم أصدق مرايا للعصور والأوطان والمجتمعات. لا يعرفون أنهم صوت الضمير وصوت الحق، وأن الكثيرين منهم يدفعون ثمن «أحقاد الكبار»، وأنهم الوقود المغذي للحروب. كيف نرضى أن نكون في زمن التقدم العلمي والتطور التكنولوجي والتفنن في الانفتاح وسرعة التواصل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، بينما تعاني شعوب الجوع المدقع؟ كيف نهنأ وننام، وهناك طفل منزوع الكرامة وكل الحقوق الآدمية، وهناك طفل مرهون باسم الشهادة، وآخر معلق على حبال الوهم بأن المستقبل سيكون أجمل، وطفل يحسب أن الخبز هو من طين وتراب وقش، ومشرّد يزعم بأنه أكبر من أن يسجن بين جدران إسمنتية يسمونها بيوت، لذا يفترش الأرض، يلتحف السماء، ويترك عازلاً خفيفاً من قماش يفصل بخجل بينه وبين الصقيع والعواصف؟ كيف نرضى أن يكون على وجه الأرض اليوم أطفال يموتون جوعاً وقهراً؟ وثيقة «الإخوة الإنسانية» لم تغفل حقوق الطفل، فأتت لتضيء عليها ولتذكرنا بواجباتنا؛ فماذا تقول الوثيقة، وماذا تقول الحقيقة؟ حقوق أساسية تقول وثيقة «الإخوة الإنسانية» أن «حقوق الأطفال الأساسية في التنشئة الأسرية، والتغذية والتعليم والرعاية، واجب على الأسرة والمجتمع، وينبغي أن توفر وأن يدافع عنها، وألا يحرم منها أي طفل في أي مكان، وأن تدان أية ممارسة تنال من كرامتهم أو تخل بحقوقهم، وكذلك ضرورة الانتباه إلى ما يتعرضون له من مخاطر - خاصة في البيئة الرقمية - وتجريم المتاجرة بطفولتهم البريئة، أو انتهاكها بأي صورة من الصور».وتقول الحقيقة، إن حقوق الأطفال تعاني الكثير في هذا العالم «المفترض» أنه متقدم ومتطور. هي حاضرة ومصانة نادراً ولا تجدها إلا في دول وبيوت تحرص على التعامل مع الطفل كونه إنساناً كامل الأحقية في العيش بكرامة، والحصول على مسكن آمن، وتعليم متطور، وتصان «آدميته» وبراءته لتزهر الحياة فيه بفرح. وهي غائبة بل معدومة في بقع متفرقة من الأرض، حيث الحروب والصراعات والجوع والفقر.. ولا ننسى تلك البيوت التي تستغل أطفالها أبشع استغلال فتقضي على مستقبلهم، وتقتل البراءة فيهم.تقول الحقيقة أيضاً أن العالم يجر خيباته، ويدفع صغاره الثمن. هؤلاء الأبرياء ولدوا وحسبهم أن الأرض مدت أذرعها لاستقبالهم، وأن الطبيعة احتضنتهم بحنان، وجعلت بساطها الأخضر أسِرّة، زينتها بالورود والفراشات خصيصاً لأجلهم، فإذا ببقاع من أرضهم مسكونة بشياطين يذهبون بالأطماع بعيداً إلى حد التضحية بشعب ووطن ومستقبل من أجل حفنة من المناصب. اكتشفوا أن في «لعبة الكبار» يصير الأطفال وقوداً للصراعات والحروب السياسية والتي تتستر كثيراً خلف أقنعة وشعارات مزيفة، مثل تحقيق العدالة وحماية الأبرياء والدفاع عن حقوق الطفل والإنسان، ولا ننسى طبعاً إشعال الفتن باسم الله والدين! الأطفال المسلحون في أحدث تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» أن أكثر من 375 مليون طفل حول العالم يعيشون في مناطق النزاع المسلح، وأن هناك زيادة بنسبة 300 في المئة في عدد الأطفال الذين قتلوا أو أصيبوا منذ عام 2010! إذاً كيف لا تستوقفنا ظاهرة الأطفال المسلحين في مناطق النزاعات وما أكثرها؟ وكيف لا يهز ضمائرنا أن يعمل الصغار جواسيس ومراسلين وحمّالين وناقلي أسلحة وذخائر وبضائع وممنوعات في تلك المناطق؟ مجبرون هم على هذه الحياة البائسة التي تعدم فيها الطفولة والبراءة بينما أصحاب القرار منشغلون بحساباتهم ولا يتحركون إلا وفق مصالحهم.باسم الضمير وباسم الإخوة الإنسانية، علينا أن نتحرك جدياً، ولا نركن إلى الخطب والتحذيرات والمراسلات. فالمستقبل كله في خطر، طالما أن فئة من «رجاله»، تنمو في ظروف غير إنسانية ولا عادلة، وتتحول بفعل القهر والاستغلال، إلى قنابل موقوتة لن تنفجر كلها اليوم، بل هي معَدّة للانفجار في السنوات المقبلة، ليستمر الإرهاب والعنف والعنصرية في التنقل بين الدول. غسل الأدمغة من عمليات غسل أدمغة الأطفال أيضاً، ما تحذر منه الوثيقة، «ضرورة الانتباه إلى ما يتعرضون له من مخاطر - خاصة في البيئة الرقمية - وتجريم المتاجرة بطفولتهم البريئة، أو انتهاكها بأي صورة من الصور». تكبر المخاطر في هذا العالم المفتوح، والموصول بحبال التكنولوجيا، الذي يوسع مدارك الصغار مبكراً، ويزيل أي حاجز بينهم وبين «الغرباء»؛ تماماً وكأننا نتركهم على قارعة الطريق معرضين لكل أنواع الخطر، من تحرش إلى قلة أخلاق وألفاظ نابية وسلوكيات سوقية وغير سوية، وتعاطي المخدرات وكافة أشكال الممنوعات، والمعلومات الكاذبة أو المضللة يعيشون في صراع بين ما يتعلمونه في البيت وما يشاهدونه ويسمعونه عبر الإنترنت. هذا لا يعني أن التكنولوجيا «قاتلة» بل هي ضرورية، إنما الميزان القادر على إحداث المعادلة والتوازن في نفوس الأبناء وعقولهم، هو البيت السليم، حيث التربية والتفاهم والحوار بلا عنف أو تطرف في التعامل بين الوالدين وأطفالهم. ضرورة الأسرة الطفل ورعايته وحقوقه، يشغل حيزاً مهماً من وثيقة «الإخوة الإنسانية»، فيكون شريكاً لمختلف بنودها، مثل ذكره «وهنا تظهر ضرورة الأسرة كنواة لا غنى عنها للمجتمع وللبشرية، لإنجاب الأبناء وتربيتهم وتعليمهم وتحصينهم بالأخلاق وبالرعاية الأسرية، فمهاجمة المؤسسة الأسرية والتقليل منها والتشكيك في أهمية دورها هو من أخطر أمراض عصرنا». نلوم الأسرة على الإهمال، بينما هناك عائلات تعاني الأمراض النفسية بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، وإحساس الأبوين بعجزهما عن تأمين حياة كريمة لأبنائهم. صمت عالمي إزاء الجوع حول الفقر والجوع تقول الوثيقة: «أمام هذه الأزمات التي تجعل ملايين الأطفال يموتون جوعاً، وتتحول أجسادهم - من شدة الفقر والجوع - إلى ما يشبه الهياكل العظمية البالية، يسود صمت عالمي غير مقبول». والإحصاءات تقول إن قلة التغذية تتسبب أيضاً بمعاناة أكثر من 160 مليون طفل من التقزم، فكيف نصمت، وهل الحلول تكون دائماً بتقديم المعونات الغذائية والأدوية فقط؟مهين أن يكون في عصرنا، 124 مليون طفل ومراهق لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة. ووفق دراسة ورؤية «اليونيسيف» لوضع الأطفال في العالم من عام 2016 حتى 2030، أنه إذا لم يعالج العالم سريعاً الظلم اللاحق بالطفولة، فإن 70 مليون طفل تحت سن الخامسة سيموتون، 167 مليون طفل سيعيشون في فقر مدقع، وسيكون 60 مليون طفل في المرحلة الابتدائية بلا تعليم.تأتي وثيقة «الإخوة الإنسانية» لتكون عهداً ووعداً بأن نعمل على تغيير هذا الواقع بكل ما أوتينا من إيمان وإرادة، وبكل ما نملك من قيم ومبادئ.
مشاركة :