اقتراع 'ديمقراطي' على مقاس الولاية الخامسة لبوتفليقة

  • 2/26/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الجزائر - خرجت الحكومة الجزائرية أخيرا عن صمتها بعد موجة احتجاجات عارمة رافضة لترشح الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، حيث أعلنت اليوم الاثنين ولأول مرّة إن المسألة ستُحسم عبر صناديق الاقتراع، مستبعدة بذلك ضمنيا تراجع بوتفليقة عن الترشح، كما يطالب المتظاهرون. وجادلت حكومة أحمد أويحيى وهو أيضا الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي (أحد أكبر أحزاب الموالاة) بأن الأمر متروك لصناديق الاقتراع وليس للأصوات الرافضة لترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة. وتجاهل أويحيى أن التعديلات الدستورية التي سمحت للرئيس بالترشح لخمس ولايات رئاسية متتالية قفزت على مبادئ الديمقراطية كما تغافل عن المادة 102 من الدستور الجزائري المتعلقة بشغور منصب الرئاسة بسبب المرض. وتصر الحكومة الجزائرية وحزب جبهة التحرير الوطني، الحزب الحاكم منذ الاستقلال على أن الرئيس بوتفليقة بصحة جيّدة وأنه قادر على إدارة شؤون الدولة، بينما تشكك المعارضة في أن يكون هو (أي بوتفليقة) من يدير شؤون الدولة، مشيرة إلى أن الحكم يدار من خلف ستار. ولم يظهر الرئيس الجزائري منذ فترة طويلة بشكل علني ولم يخاطب الشعب الجزائري مباشرة ونادرا ما يلتقي وفودا ومسؤولين أجانب، ونادرا أيضا ما حضر في مناسبات رسمية على خلاف ما جرت عليه العادة. ووضع الرئيس بوتفليقة الذي يحكم البلاد منذ 1999، حدا لتساؤلات ظلت مطروحة لشهور طويلة، بإعلان ترشحه لولاية جديدة في الانتخابات المقررة في 18 أبريل/نيسان. ونزل عشرات الآلاف إلى الشوارع يوم الجمعة الماضي خصوصا في العاصمة حيث يمنع التظاهر، ردا على دعوات وُجهت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لرفض ترشح بوتفليقة البالغ من العمر 81 عاما والذي أضعفته جلطة دماغية في 2013، لولاية خامسة. واعترف رئيس الوزراء أحمد أويحيى الاثنين بأن "عددا معتبرا" من الجزائريين شاركوا في المظاهرات خلال عرضه بيان السياسة العامة للحكومة أمام مجلس النواب. ولكن أوحيى الذي يقود الحكومة للمرة الثالثة وهو أحد كبار مناصري بوتفليقة، ردّ على المتظاهرين بأن الانتخابات "ستجرى بعد أقلّ من شهرين ويمكن لأي شخص الاختيار بكل حرية"، مستبعدا أي تغيير في مسار الانتخابات. وأضاف "من حق أي كان أن يكون مع أو ضد أي مرشح. ويبقى الفصل في الصناديق بطريقة سلمية ومتحضرة". وتنتهي آجال تقديم الترشحات للانتخابات الرئاسية بعد أقل من أسبوع في منتصف ليل 3 مارس/اذار. وترى أحزاب قاطعت الانتخابات الرئاسية أنه لا جدوى من المشاركة في استحقاق انتخابي نتائجه محسومة مسبقا، في إشارة إلى أن فوز مرشح السلطة محسوم، مشككة في نزاهة الانتخابات. وردا على "نداء التغيير" الذي أطلقه المتظاهرون، شدد أويحيى على أن بوتفليقة بعث رسالة ترشحه بهدف "تزكية الندوة الوطنية التي لا سابق لها في تاريخ الجزائر وستكون مفتوحة للجميع يناقش فيها كل ما يمكن مناقشته إلا الثوابت الوطنية والطابع الجمهوري للدولة". ودعا الجزائريين أيضا إلى اليقظة لأن هناك "دعوات مجهولة" للتظاهر، كما دعاهم إلى "الحذر من انزلاقات خطيرة". وأضاف أن الجزائر "عاشت ما يكفي من المآسي وشهدت ما يكفي من الإصلاحات من أجل أن تتمكن من الاختيار في جو هادئ وسلمي"، في إشارة إلى العشرية السوداء بين 1992 و2002 . وشدد رئيس الوزراء الجزائري على أنه "من حق الجزائر اليوم أن تعيش في كنف السلم والاستقرار وألا يفقد الشعب الجزائري ثمار هذا الاستقرار الذي جاء بفضل إرادته عندما أقر السلم والمصالحة الوطنية". وخلال الأيام الماضية عاد العديد من أنصار الرئيس لتذكير الجزائريين بهذه الحرب التي تعرف بـ"العشرية السوداء" ردا على التظاهر ضد بوتفليقة الذي يعتبرونه صاحب الفضل في إنهائها. واندلعت الحرب الأهلية بعد أن ألغى الجيش الجزائري نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 1991 التي فازت في دورتها الأولى جبهة الإنقاذ الوطني الإسلامية (الفيس). وكانت تلك أول انتخابات تشريعية تعددية بعد انتفاضة 5 أكتوبر/تشرين الأول التي أسقطت نظام الحزب الواحد الذي كان يسيطر عليه حزب جبهة التحرير الوطني آنذاك ومازال إلى اليوم في الحكم. واعتبر أستاذ العلوم السياسية في المعهد العالي للتخطيط رشيد غريمان أن "مسيرات 22 فبراير (شباط) كانت معتبرة جدا لكن السلطة في الجهة المقابلة لا يمكنها أن تُنصت. إنها صمّاء". وأوضح تعليقا على تصريح رئيس الحكومة" الأخطر هو أنها يمكن أن تذهب إلى حد القمع". ولم يصدر أي رد فعل من العواصم الأوروبية حول هذا الوضع غير المسبوق في الجزائر منذ عشرين سنة. وعلقت مايا كوسييانيتش المتحدثة باسم مفوضة الاتحاد الأوروبي للأمن والسياسة الخارجية فيديريكا موغيريني يوم الاثنين على الأحداث في الجزائر قائلة " نتمنى أن تسمح هذه الانتخابات بالتعبير بحرية في جو هادئ وفي أطار الديمقراطية وسيادة دولة القانون". وفاجأت مظاهرات الجمعة الجميع بالنظر إلى حجمها وتركت أثرا واضحا لدى الجزائريين. والأحد عاد عدة مئات للتظاهر مجددا في وسط العاصمة الجزائرية، بالرغم من الانتشار الكثيف لعناصر الشرطة. وانتقلت عدوى التحرك تدريجيا إلى كل قطاعات المجتمع، فقد تجمع الاثنين حوالي مائة من المحامين أمام محكمة بوسط العاصمة الجزائرية حاملين لافتات كتب عليها "الدفاع مع المواطنين" ومرددين شعارات ضد ترشح بوتفليقة لولاية خامسة. كما انتشرت دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لطلاب الجامعات من أجل التجمع الثلاثاء بينما دعا أساتذة الجامعات زملاءهم للالتحاق بهم. ونشر حوالي ثلاثين مثقفا من صحافيين وجامعيين يوم الاثنين بيانا "إلى كل الجزائريين والجزائريات"، عبروا فيه عن "مساندتهم لحراك الشارع السياسي ومساندتهم لمسيرة التغيير الذي يطالب به المجتمع" كما نددت مجموعة من صحافيي الإذاعة الجزائرية يوم الأحد، بمسؤوليهم لعدم السماح لهم بتغطية تظاهرات الجمعة وما بعدها. واستقالت رئيسة التحرير بالقناة الثالثة للإذاعة مريم عبدو من منصبها تنديدا بتصرف مسؤوليها، فألغي برنامجها الأسبوعي الذي كانت تقدمه.

مشاركة :