لا تغرق في معاييرك - نجوى هاشم

  • 3/5/2015
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

تربط صورتك بصور الآخرين.. وتتعرف عليهم من منطلق أنهم صورة مطابقة لك.. ليس أحياناً بل دائماً.. إن كانوا أصدقاء.. أو زملاء.. أو حتى علاقات إنسانية.. تتعرف عليهم بميل يتجه إلى تشكيلهم كصورة منك.. أو أنهم أنت.. بقيمك ومعاييرك.. ونظرتك للحياة..! في البدايات قد تلتقي مع أحدهم في زاوية من الزوايا.. تقترب منه.. وكأنه مرآتك أو الوجه الآخر لك.. بالتدريج تكتشف أنكما مختلفان.. في زوايا متعددة.. وفي ملامح كثيرة.. بغض النظر عن الزاوية التي توقفت عندها أو ارتكنت إليها في البدايات.. هو مختلف وهذا حقه في أن يكون مختلفاً.. فالاختلاف هو مايصنع الفرق.. أو مايشكل التقارب أحياناً.. لكن ليس الاختلاف الكلي.. في السلوك والطباع والمناطق المتعددة التي تلتقي فيها معه.. هل تلومه؟ أم تلوم نفسك على معرفته؟ في مسار الحياة اليومي وبعيداً عنك تجد نفسك تسأل أحدهم كيف تلتقي مع فلان في علاقة ما وأنتما مختلفان تماماً ولا رابط بينكما إطلاقاً على المدى المنظور أو حتى الإنساني؟ أنت تسأله عن الآخر وتعاود سؤاله عن نفسه: كيف يرتضي شكل هذه العلاقة المتفاوتة في العطاء والأخذ والرد حتى وإن كانت زمالة؟ هل هو يعذر الآخر لعدم قدرته على العطاء إلا في هذه الحدود؟ أم أنه يتفهم قدرة البعض في أن يعطوا في حدود ما يملكون؟ في العلاقات الأسرية ومع الأبناء أو الإخوة أو الأقارب المقربين ينطوي الأمر على صورة مختلفة ولا يستدعي فرزه من الناحية التي تخبئ ملامح لا ينبغي النظر إليها.. فطفلك ليس صورة منك.. وأخوك ليس أنت ولا ينبغي أن تطلب منه ماتريده وينفذ بمعاييرك أنت وليس بمايستطيع أن يقدمه أو بما اعتاد أن يقدمه.. لأنك في النهاية أنت من سوف يعاني ويتألم لعدم قدرتك على تقبل ماحصلت عليه لأنه لا يتناسب مع تطلعاتك أو طموحاتك فيماكنت تنتظره.. خاصة إذا كنت بالغ العطاء ومعتاداً عليه وبالتالي ستصدم تماماً من المردود الذي يقدمه الآخر وستصمت ولو سألت ستجد الإجابة أن هذا هو أقصى ما يمكن أن يقدمه.. سواء مادياً أو معنوياً أو سلوكياً..! المقاييس التي نغزلها عادة علينا ثم نفندها على الآخر ونرسمها عليه هي مايسبب لنا الصدمات والألم.. لأن هذه المطالب وإن لم تكن مكتوبة تحولنا إلى ضحايا ثابتين للألم والوجع وفاقدين للحكمة والعقل إذا تعاملنا معها من مبدأ تشكيل الآخر أو البحث في ذات الآخر باعتبارها ذاتاً كاملة وقريبة من ذواتنا.. وفي نفس الوقت تستنزف كل دواخلنا وتلغي الحالة الطبيعية والعادية في التعامل مع الآخر أو معاقبته لكونه يسير على الطريق مثلي ولكن ليس بطريقتي أو أنه يمشي بطريقة لا تعجبني..!! في كرة القدم المحصلة لأي هجمة عادة "هدف"أو نتيجة أي مباراة هي تسجيل الأهداف ولكن قد تجد أحدهم يعترض أن اللاعب فلان سجل هدفاً ولكنه هدف لا يعجبني أو أنه هدف غير ملعوب أو تقليدي وليس به إبداع.. لأنه يقيس موهبة ومهارة اللاعب الذي سجل من معياره المرتفع للمهارة وأن كل لاعب كرة قدم هو ماردوانا أو ميسي أو زيدان.. لكن المحصلة هي هدف.. وهو ما ينطبق على الحياة الواسعة.. من حيث إتقان ماتسنده للآخر من عمل أو علاقة إنسانية تعودت أن تحصل فيها على نوعية معينة من مردود ولكن مع الآخر تجد العمل يُنفذ ولكن بطريقة مختلفة وبمعايير ليس هي ما وضعته أنت أو توقعته..!! تختلف معايير كل إنسان عن الآخر في النظرة للحياة والتنفيذ أيضاً حسب بيئته ووعيه أحياناً وثقافته وارتفاع مفهومه وزوايا استجوابه لمفردات الحياة الإنسانية .. وتختلف أيضاً من خلال قدرته على تحويل هذه المعايير إلى وسيلة ثبات في العلاقة إن أراد.. ولكن البعض عندما يدرك أن الهوة واسعة وأن معاييره لم تتحقق من الآخر ينسحب أو لا يسند العلاقة بقناعاته وعدم قدرته على القليل.. أو الرضا بماسيقدم له..! العلاقات الإنسانية تظل غامضة ومتشابكة ومتناقضة.. وموجعة خاصة إن كانت معاييرها مرتبطة بمعاييرك أنت وتطبقها على الآخرين كماهي مرتفعة ومثالية وتعطيها نفس المستوى.. وتأمل في كل الأشياء دون تحسب أو انتباه لاختلاف الآخرين وهبوط معاييرهم.. وانخفاض هذا المعيار منهم أو ماسوف يحصلون عليه..! المؤلم أن من يتمسك بمعاييره منذ البدايات في التعامل مع الآخرين ويكرسها كواقع لن يتآلف مع الحياة الهانئة كثيراً.. لأنه سيظل موجوعاً من تقصير الآخرين ويقيس مدى عطائهم بمايقدمه.. ويفترض أن يغادر هذه المنطقة مع تقدم العمر لأن العمر يمنح المفاهيم بعداً مختلفاً ويكرس الواقع ويمد الفهم ليصبح جزءاً هاماً من الحياة اليومية.. ومن يعجز عن ذلك ستلاحقه أحاسيس انتهاك هدوئه.. وأمانه..! تبسيط الحياة ثقافة خاصة قد لا يفهمها الجميع ولكنها تلقائية التعلم.. وبوصلة حقيقية لتقدير أن الحياة هبة من الله ينبغي الاستمتاع بها.. وبداياتها أن لا ترفع سقف معاييرك في تعاملك مع الآخرين واتركها دون سقف أو متوسطة الارتفاع.. ولك الحق أن ترضى بالقليل أو تقفل الحدود ولست مضطراً للبقاء وقياس المسافة والمعيار..!!!

مشاركة :