لست بحاجة لفضفضة المفردات، أو الاختباء داخل زوايا الاستجواب، أو أن تُغرق نفسك عنوة في تفاصيل تلك المتاهة.. التي مهما حاولت الخروج منها بالتأني أو الهدوء أو الصبر ستجد نفسك عاجزاً عن الحصول على مساحة في تلك الزاوية المنفتحة، والتي تتسع لكل شيء، وتسمح بكل شيء لكنها تضيق وتتحول إلى زواية مغلقة من الصعب الخروج منها! يلامسك ذلك الإحساس أحياناً عندما تتحول الحياة فجأة إلى حرب بين طرفين أنت وهي.. إلى مواجهة خاصة بينك وبينها..! ومع أن الحروب عادة يتم فيها الاستعانة بالأصدقاء، أو بمن يمتلكون القدرة على إدارة الحروب، وتحقيق الانتصارات خاصة بعد أن يشعر أحد الأطراف بعجزه وعدم قدرته، واستنزاف طاقته، فيضطر للجوء إلى أطراف أخرى للمساعدة، ومناصرته، لكسب هذه المعركة! لكن هذا الطلب عادة أو هذا البحث عن المساعدة للخروج من التردي أو الهزيمة القائمة أو المحتملة.. في الغالب يكون مدفوع القيمة، إن لم يكن مسبقاً فهو متأخراً وربما على دفعات أو مدى الحياة.. وإلا ماكانت أكثر حروب العالم قوة وشراسة أبقت المناصرين أو من حسموا الحروب لمصلحة آخرين يستنزفون من ساندوهم بأشكال متعددة مادية ومعنوية على مدى أزمنة..! ينطبق ذلك على الحياة بشكل أصغر.. فعندما يستعين الأطفال بأحدهم في معاركهم على اعتبار أنه الأقوى والقادر على حسم الأمور، وإيجاد الحلول، وأحياناً ليس بالضرورة أن تكون حلولاً تستخدم فيها القوة بل العقل.. هذه الاستعانة تدفع إلى الاعتياد عليها على ذلك المنقذ، ولكن ماذا بعد ذلك؟ بالتراكم وبكثرة الطلب عليه ستجده إما متذمراً أو متكاسلا ً أو متحججاً ومن ثم وهو الأهم مملياً شروطه بأشكالها المختلفة.. وفي سن الأطفال قد تكون شروطاً تعجيزية.. ولكنها بالنسبة لهم تعتبر مهمة ويصعب تنفيذها..! إذن الأمر وإن كان إيجابياً بالنسبة لهم مؤقتاً إلا أنه سلبي على المدى الطويل.. لأن الحاجة للآخر تظل مرتبطة بالمصلحة المشتركة.. وعلى ماذا ستقدم أنت مقابل ماسيقدمه هو..!! تتذكر ذلك وأنت وحيد في وجه الحياة تُدير حربك الخاصة.. ليس بفيض الدعاء فقط ولا بالاستعانة ببوصلتك في المواجهة وهي الحقيقة.. وقيمة ما ترتكز عليه من مفاهيمك الخاصة.. وما تتألف منه حياتك الممتدة من اعتياد على مثل هذه المواقف الصعبة، والتعامل مع ما هو سيئ والذي قد يأتي الأسوأ منه.. ربما بثقافة الاستيعاب الموجع وليس بالتبسيط..! تُدير حربك بالتأمل لكل الأشياء حولك.. وإعادة قراءة كل الموازين التي أمامك.. والتي لم ترها..! مشكلتك الدائمة رغم ضراوة هذه الحرب والتي اعتدت أن تكون فيها مقاتلا ً شرساً أنك لا تخافها مهما كانت مفاجئة لأنك تستطيع الصمود.. والمواجهة.. وملامسة الخيار الوحيد أحياناً وهو أنك تستطيع "تجنب الهزيمة "وستجد نفسك رغم مفهوم الهزيمة الاختلافي غارقاً في مكتسبات متعددة لعل أهمها احتفاظك بقيمتك الإنسانية، وقدرتك دوماً على استيعاب حروب الحياة المستمرة ومواجهتها.. وتفهم أنها مستدامة ولكن ليست نهاية الحياة ولا بدايتها وإنما هي امتدادها نخوضها بشراسة أحياناً تدفعنا لعدم ملاحقة أنفاسنا.. أو التنفس بهدوء أو بمهادنة ننغمس فيها بدواخلنا التي قد تتحول هي الحياة..! ما نمر به تلقائي وينبغي ألا يثير الكثير من الأسئلة.. والتي قد تحتل إجاباتها مناطق الشرود.. ولكنه في الوقت نفسه لا يمكن ضبط هذه الحروب التي قد تُفرض في أوقات لا تكون مستعداً لها.. وقد تدفعك إلى الاحتكام إلى الفوضى في كل ما تفعله.. إن كنت من أولئك الذين يستسلمون للحروب ويعلنون هزيمتهم مباشرة حتى قبل بدايتها.. من منطلق عدم التكافؤ أو عدم التهيؤ..! في النهاية ليس سراً أنه قد تحاصرنا الحياة بقسوة.. وتفرض مسار الطريق الذي علينا أن نتجه إليه من منطلق اعتيادها أن تأخذنا معها.. ولكن في ظل خلق فرص محدودة للمواجهة علينا أن نعيش المواجهة ونتحملها مهما كانت صعوبتها بدلا ًمن الاستكانة إلى مفهوم معرفة النهاية قبل أن تبدأ المعركة..!!
مشاركة :