أكثر الألعاب التي أتابعها بعد كرة القدم هي منافسات ألعاب القوى، أحب سباقات السرعة أكثر من غيرها، وأهتم كثيرا بمتابعة بعض سباقات المسافات المتوسطة مثل سباق 1500 متر، وكنت دوما أعتبر الفائز فيه، عداءً يملك تكنيكا وتكتيكا عاليي المستوى، فهو يعتمد بالدرجة الأولى على التوازن والبقاء في دائرة المنافسة بهدوء ودهاء حتى الأمتار الأخيرة، وعندما ينجلي الغبار يتقدم الفائز جوقة المتنافسين كالصاروخ. أشهر عداء في سباق 1500 متر، هو الأسطورة العالمية المغربي هشام الكروج، منذ عام 1998، ظل رقمه صامدا لا أحد يقترب منه، وهو المعتزل منذ ثمانية أعوام. لا أحد ينسى من محبي ألعاب القوى سباق أولمبياد أثينا 2004، كنت يومها في مدرجات الاستاد الأولمبي في العاصمة اليونانية انتظر مع الجميع الإثارة المتوقعة والمنافسة الشرسة، خاصة بعد خسارة الكروج في سباق سيدني قبلها بأربعة أعوام وسقطته الشهيرة. .. عندئذ تحدث الجميع عن أن هشام لن يفلت من الكماشة الكينية التي وضعت له، اختار الكينيون شابا، نسيت اسمه، يقوم بدور أرنب السباق لبطلهم المنتظر برنارد لانجات، بقي الكروج عند الانطلاقة في وسط المتسابقين لا ينظر إلى المسافة التي تفصله عن أرنب السباق، سار طبقا للسيناريو المتوقع، الأغلبية انتظروا أن يدخر بطل المغرب جهده للفة الأخيرة، وأن يتقدم مواطنه عادل في المضمار ذاته، ليقود السباق، فجأة وفي اللفة الثانية انطلق هشام كالصاروخ وتقدم المتسابقين، تحول أرنب السباق الكيني إلى سلحفاة، ذهل الكينيون، فاجأهم المغربي الفلتة بتكتيك جديد، لم يكن في الحسبان، حاول لانجات المرشح الأقوى للذهبية أن يغير تكتيكه لحظتها ويلحق بالكروج، ضغط بكل قوة لكنه لم يلحق بظل ابن بركان المغربية، إلا بعد ملامسة قدمه خط النهاية، ولا أظن أحدا ينسى سجدة هشام الطويلة. .. سباق 1500، يشبه منافسات كرة القدم، خاصة في الدوري، وكثيرا ما كانت الأمتار الأخيرة في الدوري هي لحظة الحسم المنتظرة ولا سيما إذا كان لقاء المتنافسيّن في الجولة الختامية، كما فعل الهلال في موسم 2007، عندما ظل متمسكا بظل الاتحاد قبل أن يقترب منه حد الملاصقة في الجولات الثلاث قبل الأخيرة ويجهز عليه تماما في الأخيرة. لست دائما أنت بحاجة إلى تكتيك الهلال أو الكروج في سيدني 2000، أحيانا تحتاج إلى تكتيك الكروج في أثينا 2004، تضرب بقوة من البداية، وهذا تحدده إمكاناتك وإمكانات المنافسين، والوضع ذاته ينطبق على الأهلي حاليا، إن سار بالمنافسة إلى الأمتار الأخيرة سيخسر الدوري حتما، لأنه أسوأ من يتعامل مع تكتيك الأمتار الأخيرة، ولا ينفع في هذا التكتيك إلا أن يكون أرنب سباق فقط. .. هذا العام، كل شيء فعله جروس، أعاد الأهلي الممتع لمنصات البطولات، هجر الخسارة، بدا فريقا صلبا يعود في الأوقات الصعبة ويتجاوز المآزق، غذّى دكته ببدلاء جاهزين، فعل كل شيء، إلا أنه في آخر جولتين أضاع فرصا ثمينة من يده، في الوقت الذي انتظر المتابعون أن يضرب بقوة أمام الهلال والخليج مستغلا تعثر المتصدر، إذ به يبحث عن التعادل أمامهما. كل شيء فعله جروس، إلا أنه لم يقرأ التاريخ جيدا، لم يقرأ تاريخ أخضر جدة الذي يشير بوضوح إلى أنه فريق يخذل أنصاره في الأمتار الأخيرة، وأن تكتيك ادخار الجهد إلى لحظة الانطلاق فيها لا يناسب إمكاناته الفنية والنفسية. .. فرق كرة القدم، تتطبع بشخصيات البشر الذين يمرون عليها، وتلازمهم كصفات تميزهم، لا أحد ينافس الهلال في الأمتار الأخيرة أبدا، ولا أحد ينافس النصر والشباب إذا أجادا انطلاقة البداية، ولأن النصر يعرف الهلال جيدا في الأمتار الأخيرة ظل يهرب بالصدارة على بعد خطوات واسعة في الموسم الماضي، وعندما اقترب الأزرق كان كل شيء قد انتهى، لذلك حذارِ يا جروس، حذارِ من أن تفكر في اللحاق في الأمتار الأخيرة، ما لم تفعلها الآن لن تفعلها أبدا، وهذا يتطلب تضحية، والتضحية المطلوبة هي “الآسيوية”.
مشاركة :